عبدا صالحا، كان من الله بمكان نصح الله فنصح له، وأحب الله فأحبه، وكان قد سبب له في البلاد ومكن له فيها حتى ملك ما بين المشرق والمغرب، وكان له خليل من الملائكة يقال له رقائيل ينزل إليه فيحدثه ويناجيه فبينا هو ذات يوم عنده إذ قال له ذو القرنين: يا رقائيل كيف عبادة أهل السماء وأين هي من عبادة أهل الأرض؟ فقال:
اما عبادة أهل السماء ما في السماوات موضع قدم الا وعليه ملك قائم لا يقعد أبدا أو راكع لا يسجد أبدا، أو ساجد لا يرفع رأسه أبدا، فبكى ذو القرنين بكاءا شديدا وقال:
يا رقائيل انى أحب ان أعيش حتى أبلغ من عبادة ربى وحق طاعته بما هو أهله فقال له رقائيل: يا ذا القرنين ان لله في الأرض عينا تدعى عين الحياة، فيها عزيمة من الله انه من يشرب منها لم يمت حتى يكون هو يسئل الله الموت، فان ظفرت بها تعيش ما شئت قال: وأين ذلك العين وهل تعرفها؟ قال: لا، غير انا نجد في السماء ان لله في الأرض ظلمة لم يطأها انس ولا جان فقال ذو القرنين: وأين تلك الظلمة؟ قال: رقائيل ما أدرى ثم صعد رقائيل فدخل ذا القرنين حزن طويل من قول رقائيل ومما اخبره عن العين والظلمة ولم يخبره بعلم ينتفع به منهما.
فجمع ذو القرنين فقهاء أهل مملكته وعلمائهم وأهل دراسة الكتب وآثار النبوة، فلما اجتمعوا عنده قال ذو القرنين: يا معشر الفقهاء وأهل الكتب وآثار النبوة هل وجدتم فيما قرأتم من كتب الله أو من كتب من كان قبلكم من الملوك ان لله عينا تدعى عين الحياة، فيها من الله عزيمة انه من يشرب منها لم يمت حتى يكون هو الذي يسئل الله الموت؟ قالوا: لا يا أيها الملك قال: فهل وجدتم فيما قرأتم من الكتب ان لله في الأرض ظلمة لم يطأها انس ولا جان؟ قالوا: لا أيها الملك فحزن عليه ذو القرنين حزنا شديدا وبكى إذ لم يخبر عن العين والظلمة بما يحب، وكان فيمن حضره غلام من الغلمان من أولاد الأوصياء أوصياء الأنبياء وكان ساكتا لا يتكلم، حتى إذا أيس ذو القرنين منهم قال له الغلام: أيها الملك انك تسئل هؤلاء عن أمر ليس لهم به علم، وعلم ما تريد عندي، ففرح ذو القرنين فرحا شديدا حتى نزل عن فراشه وقال له: ادن