المضمر في (عليهم)، والعامل في الحال (أنعمت) فكأنه قال: صراط الذين أنعمت عليهم لا مغضوبا عليهم. وثانيها: أن يكون نصبا على الاستثناء المنقطع، لأن المغضوب عليهم من غير جنس المنعم عليهم وثالثها: أن يكون نصبا على أعني، كأنه قال: أعني غير المغضوب عليهم، ولم يجز أن يقال غير المغضوبين عليهم، لأن الضمير قد جمع في (عليهم) فاستغنى عن أن يجمع المغضوب. وهذا حكم كل ما تعدى بحرف جر، تقول: رأيت القوم غير المذهوب بهم، استغنيت بالضمير المجرور في بهم عن جمع المذهوب.
وأما (لا) من قوله (ولا الضالين): فذهب البصريون إلى أنها زائدة لتوكيد النفي، وذهب الكوفيون إلى أنها بمعنى غير. ووجه قول البصريين انك إذا قلت: ما قام زيد وعمرو، احتمل أن تريد ما قاما معا، ولكن قام كل واحد منهما بانفراده. فإذا قلت: ما قام زيد ولا عمرو، زال الاحتمال. و (غير) متضمن معنى النفي. ولهذا أجاز النحويون أنت زيدا غير ضارب، لأنه بمنزلة قولك: إنك أنت زيدا لا ضارب ولا يجوزون أنت زيدا مثل ضارب، لأن زيدا من صلة ضارب، ولا يتقدم عليه.
وقال علي بن عيسى الرماني: من نصب على الاستثناء، جعل (لا) صلة كما أنشد أبو عبيدة: " في بئر لا حور سرى وما شعر " أي في بئر هلكة، وتقديره غير المغضوب عليهم والضالين. كما قال: (ما منعك أن لا تسجد) بمعنى أن تسجد.
المعنى واللغة: معنى الآية بيان الصراط المستقيم أي: صراط من أنعمت عليهم بطاعتك، وهم الذين ذكرهم الله تعالى في قوله (من يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين) وأصل النعمة: المبالغة والزيادة، يقال: دققت الدواء فأنعمت دقه أي: بالغت في دقه. وهذه النعمة، وإن لم تكن مذكورة في اللفظ، فالكلام يدل عليها، لأنه لما قال (اهدنا الصراط المستقيم) وقد بينا المراد بذلك، بين أن هذا صراط من أنعم عليهم به، ولم يحتج إلى إعادة اللفظ كما قال النابغة:
كأنك من جمال بني أقيش * يقعقع خلف رجليه بشن أي: كأنك من جمالهم جمل يقعقع خلف رجليه. وأراد ب (المغضوب عليهم) اليهود عند جميع المفسرين، الخاص والعام. ويدل عليه قوله تعالى: (من