أبي مسلم. وقيل: إنهم كانوا اشتروا العذاب بالمغفرة لما عرفوا ما أعد الله لمن عصاه من العذاب، ولمن أطاعه من الثواب، ثم أقاموا على ما هم عليه من المعصية مصرين عن القاضي وهذا أولى لأنه إذا أمكن حمل الكلام على زيادة فائدة، كان أولى، فكان اشتراؤهم الضلالة يرجع إلى عدولهم عن طريق العلم إلى طريق الجهل، واشتراؤهم العذاب بالمغفرة يرجع إلى عدولهم عما يوجب الجنة إلى ما يوجب النار.
وقوله: (فما أصبرهم على النار) فيه أقوال أحدها: إن معناه ما أجرأهم على النار ذهب إليه الحسن وقتادة، ورواه علي بن إبراهيم بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام.
والثاني: ما أعملهم بأعمال أهل النار، عن مجاهد وهو المروي عن أبي عبد الله عليه السلام. والثالث: ما أبقاهم على النار، كما يقال: ما أصبر فلانا على الحبس، عن الزجاج. والرابع: ما أدومهم على النار أي: ما أدومهم على عمل أهل النار، كما يقال: ما أشبه سخاءك بحاتم (1)، عن الكسائي وقطرب. وعلى هذه الوجوه فظاهر الكلام التعجب، والتعجب لا يجوز على القديم سبحانه، لأنه عالم بجميع الأشياء، لا يخفى عليه شئ. والتعجب إنما يكون مما لا يعرف سببه. وإذا ثبت ذلك فالغرض أن يدلنا على أن الكفار حلوا محل من يتعجب منه، فهو تعجيب لنا منهم.
والخامس: ما روي عن ابن عباس أن المراد أي شئ أصبرهم على النار أي:
حبسهم عليها. فتكون للاستفهام، ويمكن حمل الوجوه الثلاثة المتقدمة على الاستفهام أيضا، فيكون المعنى: أي شئ أجرأهم على النار، وأعملهم بأعمال أهل النار، وأبقاهم على النار؟ وقال الكسائي: هو استفهام على وجه التعجب. وقال المبرد: هذا حسن لأنه كالتوبيخ لهم، والتعجيب لنا، كما يقال لمن وقع في ورطة:
ما اضطرك إلى هذا إذا كان غنيا عن التعرض للوقوع في مثلها، والمراد به الانكار والتقريع على اكتساب سبب الهلاك، وتعجيب الغير منه. ومن قال معناه: ما أجرأهم على النار، فإنه عنده من الصبر الذي هو الحبس أيضا، لأن بالجرأة يصبر على الشدة.
(ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق وإن الذين اختلفوا في الكتاب