لكنه يورد ما هو في اعتقاده حجة، وإن كانت باطلة، كما قال سبحانه حجتهم داحضة. وقيل: المراد بالذين ظلموا قريش واليهود، فأما قريش فقالوا: قد علم أننا على هدى، فرجع إلى قبلتنا، وسيرجع إلى ديننا. وأما اليهود فقالوا: لم ينصرف عن قبلتنا عن علم، وإنما فعله برأيه وزعم أنه قد أمر به. وقيل: المراد بالذين ظلموا العموم، يعني ظلموكم بالمقاتلة، وقلة الاستماع.
وقوله: (فلا تخشوهم واخشوني) لما ذكرهم بالظلم والخصومة والمحاجة، طيب نفوس المؤمنين، فقال: لا تخافوهم، ولا تلتفتوا إلى ما يكون منهم، فإن عاقبة السوء عليهم، ولا حجة لأحد منهم عليكم ولا يد. وقيل: لا تخشوهم في استقبال الكعبة، واخشوا عقابي في ترك استقبالها، فإني أحفظكم من كيدهم.
وقوله (ولأتم نعمتي عليكم) عطف على قوله لئلا، وتقديره لئلا يكون لأحد عليكم حجة، ولأتم نعمتي عليكم بهدايتي إياكم إلى قبلة إبراهيم عليه السلام. بين سبحانه أنه حول القبلة لهذين الغرضين زوال القالة وتمام النعمة. وروي عن ابن عباس أنه قال: ولأتم نعمتي عليكم في الدنيا والآخرة. أما في الدنيا فأنصركم على أعدائكم، وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم. وأما في الآخرة فجنتي ورحمتي. وروي عن علي عليه السلام قال: النعم ستة: الاسلام والقرآن ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم والستر والعافية والغنى عما في أيدي الناس. (ولعلكم تهتدون) أي: لكي تهتدوا، ولعل من الله واجب، عن الحسن وجماعة. وقيل: لتهتدوا إلى ثوابها. وقيل: إلى التمسك بها.
(كما أرسلنا فيكم رسولا منكم يتلوا عليكم آياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والحكمة ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون (151)).
اللغة: الإرسال: التوجيه بالرسالة والتحميل لها ليؤدي إلى من قصد.
والتلاوة: ذكر الكلمة بعد الكلمة على نظام متسق، وأصله من الاتباع، ومنه تلاه أي: تبعه. والتزكية: النسبة إلى الازدياد من الأفعال الحسنة التي ليست بمشوبة. ويقال أيضا على معنى التعويض لذلك بالاستدعاء إليه واللطف فيه يقال: زكى فلان فلانا: إذا أطراه ومدحه. وزكاه: حمله على ما له فيه الزكاء والنماء والطهارة والقدس. والحكمة: هي العلم الذي يمكن به الأفعال المستقيمة.