استعير له هذا الاسم على الوجه الذي ذكرناه، فقد آل الأمر تسليم صحة الخبر وقبوله إلى أن الإيمان هو المعرفة بالقلب، والتصديق به على نحو ما تقتضيه اللغة، ولا يطلق لفظه إلا على ذلك إلا أنه يستعمل في الإقرار باللسان، والعمل بالأركان مجازا واتساعا، وبالله التوفيق.
وقد ذكرنا في قوله (ويقيمون الصلاة) وجهين اقتضاهما اللغة. وقيل أيضا:
إنه مشتق من القيام في الصلاة، ولذلك قيل: قد قامت الصلاة، وإنما ذكر القيام، لأنه أول أركان الصلاة وأمدها، وإن كان المراد به هو وغيره. والصلاة في الشرع عبارة عن أفعال مخصوصة على وجوه مخصوصة، وهذا يدل على أن الاسم ينقل من اللغة إلى الشرع. وقيل: إن هذا ليس بنقل، بل هو تخصيص، لأنه يطلق على الذكر والدعاء في مواضع مخصوصة. وقوله تعالى: (ومما رزقناهم ينفقون) يريد:
ومما أعطيناهم وملكناهم يخرجون على وجه الطاعة.
وحكي عن ابن عباس أنه الزكاة المفروضة، وعن ابن مسعود أنه نفقة الرجل على أهله، لأن الآية نزلت قبل وجوب الزكاة. وعن الضحاك هو التطوع بالنفقة.
وروى محمد بن مسلم، عن الصادق عليه السلام، إن معناه: ومما علمناهم يبثون.
والأولى حمل الآية على عمومها. وحقيقة الرزق هو ما صح أن ينتفع به المنتفع، وليس لأحد منعه منه. وهذه الآية تدل على أن الحرام لا يكون رزقا، لأنه تعالى مدحهم بالإنفاق مما رزقهم، والمنفق من الحرام لا يستحق المدح على الانفاق بالاتفاق، فلا يكون رزقا.
النزول: قال بعضهم: هذه الآية تناولت مؤمني العرب خاصة، بدلالة قوله فيما بعد (والذين يؤمنون بما أنزل إليك) الآية، فهذا في مؤمني أهل الكتاب، إذ لم يكن للعرب كتاب قبل القرآن، وهذا غير صحيح، لأنه لا يمتنع أن تكون الآية الأولى عامة في جميع المؤمنين، وإن كانت الثانية خاصة في قوم منهم. ويجوز أن يكون المراد بالآيات قوما واحدا وصفوا بجميع ذلك، بأن جمع بين أوصافهم بواو العطف، كقول الشاعر:
إلى الملك القرم، وابن الهمام، وليث الكتيبة في المزدحم (والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون (4)).