(ويعلمهم الكتاب) أي: القرآن، وهذا لا يعد من التكرار، لأنه خص الأول بالتلاوة ليعلموا بذلك أنه معجز دال على صدقه ونبوته، وخص الثاني بالتعليم ليعرفوا ما يتضمنه من التوحيد وأدلته، وما يشتمل عليه من أحكام شريعته. وقوله:
(والحكمة) قيل: هي ها هنا السنة عن قتادة. وقيل: المعرفة بالدين والفقه في التأويل عن مالك بن أنس. وقيل: العلم بالأحكام التي لا يدرك علمها إلا من قبل الرسل عن ابن زيد. وقيل: إنه صفة للكتاب. كأنه وصفه بأنه كتاب وأنه حكمة وأنه آيات. وقيل: الحكمة شئ يجعله الله في القلب ينوره الله به كما ينور البصر، فيدرك المبصر. وقيل: هي مواعظ القرآن وحرامه وحلاله عن مقاتل وكل حسن.
وقوله: (ويزكيهم) أي: يجعلهم مطيعين مخلصين. والزكاء: هو الطاعة والإخلاص لله سبحانه، عن ابن عباس. وقيل: معناه يطهرهم من الشرك ويخلصهم منه، عن ابن جريج. وقيل: معناه يستدعيهم إلى فعل ما يزكون به من الإيمان والصلاح، عن الجبائي. وقيل: يشهد لهم بأنهم أزكياء يوم القيامة إذا شهد على كل نفس بما كسبت، عن الأصم.
وقوله: (إنك أنت العزيز الحكيم) أي: القوي في كمال قدرتك، المنيع في جلال عظمتك، المحكم لبدائع صنعتك. وإنما ذكر هاتين الصفتين لاتصالهما بالدعاء، فكأنه قال: فزعنا إليك في دعائنا لأنك القادر على إجابتنا، العالم بما في ضمائرنا، وبما هو أصلح لنا، مما لا يبلغه كنه علمنا، وقصار بصائرنا.
وفي هذه الآية دلالة على أن إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام دعوا لنبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم بجميع شرائط النبوة، لأن تحت التلاوة الأداء، وتحت التعليم البيان، وتحت الحكمة السنة. ودعوا لأمته باللطف الذي لأجله تمسكوا بكتابه وشرعه، فصاروا أزكياء. وهذا لأن الدعاء صدر من إسماعيل عليه السلام، فعلم بذلك أن النبي المدعو به من ولده، لا من ولد إسحاق، ولم يكن في ولد إسماعيل نبي غير نبينا صلى الله عليه وآله وسلم سيد الأنبياء (ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين (130)).
اللغة: الرغبة: المحبة لما فيه للنفس منفعة. ورغبت فيه: ضد رغبت