فلما التقت فرساننا، ورجالنا، * دعوا: يا لكعب، واعتزينا لعامر وقال آخر:
وقبلك رب خصم قد تمالوا * علي فما جزعت، ولا دعوت (1) وأما قول مجاهد، فلا وجه له، لأن الشاهدين لا يخلو إما أن يكونوا مؤمنين، أو كفارا. فالمؤمنون لا يكونون شهداء للكفار، والكفار لا بد أن يسارعوا إلى إبطال الحق، أو تحقيق الباطل، إذا دعوا إليه. فمن أي الفريقين يكون شهداؤهم؟ ولكن ينبغي أن يجري ذلك مجرى قوله تعالى: (قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا) وقال قوم: إن هذا الوجه جائز أيضا صحته، لأن العقلاء لا يجوز أن يحملوا نفوسهم على الشهادة بما يفتضحون به في كلام أنه مثل القرآن، ولا يكون مثله، كما لا يجوز أن يحملوا نفوسهم على أن يعارضوا ما ليس بمعارض على الحقيقة. وهذه الآية تدل على صحة نبوة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وأن الله تعالى تحدى (2) بالقرآن وببعضه. ووجه الاستدلال بها أنه تعالى خاطب قوما عقلاء فصحاء قد بلغوا الغاية القصوى من الفصاحة، وتسنموا الذروة العليا من البلاغة، فأنزل إليهم كلاما من جنس كلامهم، وتحداهم بالإتيان بمثله، أو ببعضه بقوله: (فأتوا بعشر سور مثله) و (بسورة مثله) وجعل عجزهم عن ذلك حجة عليهم، ودلالة على صدق رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وهم أهل الحمية والأنفة، فبذلوا أموالهم ونفوسهم في إطفاء أمره، ولم يتكلفوا في معارضة القرآن بسورة، ولا خطبة، فعلمنا أن المعارضة كانت متعذرة عليهم، فدل ذلك على أن القرآن معجز دال على صحة نبوته.
(فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين (24)).
الاعراب: " إن ": حرف شرط. و " لم ": حرف يدخل على الفعل المضارع فينفيه ويجعله بمعنى الماضي، ويعمل فيه الجزم. و (تفعلوا):