قتل الرجل منهم الرجل قتل نفسه، إذا كانت ملتهما واحدة، ودينهما واحدا، وأهل الدين الواحد بمنزلة الرجل الواحد في ولاية بعضهم بعضا.
قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إنما المؤمنون في تراحمهم وتعاطفهم بمنزلة الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو واحد تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر). هذا قول قتادة، وأبي العالية. وقيل: معناه لا يقتل الرجل منكم غيره فيقاد به قصاصا، فيكون بذلك قاتلا لنفسه، لأنه كالسبب فيه.
وقوله: (ولا تخرجون أنفسكم من دياركم) معناه: لا يخرج بعضكم بعضا من دياركم بأن تغلبوا على الدار. وقيل: معناه لا تفعلوا ما تستحقون به الإخراج من دياركم، كما فعله بنو النضير. وقوله: (ثم أقررتم وأنتم تشهدون) أي: أقررتم بذلك، وأنتم شاهدون على من تقدمكم بأخذنا منهم الميثاق، وبما بذلوه من أنفسهم من القبول والالتزام. وقيل: معنى إقرارهم هو الرضاء به، والصبر عليه، كما قال الشاعر (1):
ألست كليبيا إذا سيم خطة * أقر كإقرار الحليلة للبعل واختلف في المخاطب بقوله (وأنتم تشهدون) فقيل: اليهود الذين بين ظهراني مهاجر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أيام هجرته إليهم وبخهم الله تعالى على تضييعهم أحكام ما في أيديهم من التوراة التي كانوا يقرون بحكمها، وقال لهم: ثم (أقررتم) يعني:
أقر أولكم وسلفكم وأنتم تشهدون على إقرارهم بأخذي الميثاق عليهم، بأن لا تسفكوا دماءكم، ولا تخرجوا أنفسكم من دياركم، وتصدقون بذلك، عن ابن عباس.
وقيل: إنه خبر من الله عز وجل عن أوائلهم، ولكنه أخرج الخبر بذلك مخرج المخاطبة لهم على النحو الذي تقدم في الآيات، (وأنتم تشهدون) أي: وأنتم شهود، عن أبي العالية. ويحتمل قوله (وأنتم تشهدون) أمرين: أحدهما: إن معناه وأنتم تشهدون على أنفسكم بالإقرار. والثاني: إن معناه وأنتم تحضرون سفك دمائكم، وإخراج أنفسكم من دياركم. وقال بعض المفسرين: نزلت الآية في بني قريظة والنضير. وقيل: نزلت في أسلاف اليهود.
(ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من