تنظرون) إلى أسباب الموت. وقيل: إلى النار. وإنما قرع الله سبحانه اليهود بسؤال أسلافهم الرؤية من حيث إنهم سلكوا طريقتهم في المخالفة للنبي الذي لزمهم اتباعه، والتصديق بجميع ما أتى به، فجروا على عادة أسلافهم الذين كانوا يسألون تارة نبيهم أن يجعل لهم إلها غير الله، ومرة يعبدون العجل من دون الله، وطورا يقولون: لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة.
واستدل أبو القاسم البلخي بهذه الآية على أن الرؤية لا تجوز على الله تعالى، قال: لأنها إنكار تضمن أمرين: ردهم على نبيهم، وتجويزهم الرؤية على ربهم.
ويؤيد ذلك قوله تعالى فقد سألوا موسى أكبر من ذلك، فقالوا أرنا الله جهرة. فدل ذلك على أن المراد إنكار الأمرين. وتدل هذه الآية أيضا على أن قول موسى: (رب أرني أنظر إليك) كان سؤالا لقومه، لأنه لا خلاف بين أهل التوراة أن موسى عليه السلام، لم يسأل الرؤية إلا دفعة واحدة، وهي التي سألها لقومه.
(ثم بعثكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون (56)).
اللغة: البعث: إثارة الشئ من محله، ومنه يقال: بعث فلان راحلته إذا أثارها من مبركها للسير، وبعثت فلانا لحاجتي: إذا أقمته من مكانه الذي هو فيه للتوجيه إليها. ومنه يقال ليوم القيامة: يوم البعث، لأنه يوم يثار الناس فيه من قبورهم لموقف الحساب. وبعثته من نومه فانبعث أي: نبهته فانتبه.
والبعث: الجند يبعثون إلى وجه، أو في أمر. وأصل البعث: الإرسال.
المعنى: (ثم بعثناكم) أي: ثم أحييناكم (من بعد موتكم) لاستكمال آجالكم، عن الحسن، وقتادة. وقيل: إنهم سألوا بعد الإفاقة أن يبعثوا أنبياء، فبعثهم الله أنبياء، عن السدي. فيكون معناه: بعثناكم أنبياء. وأجمع المفسرون إلا شرذمة يسيرة، أن الله لم يكن أمات موسى كما أمات قومه، ولكن غشي عليه بدلالة قوله: (فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك) والإفاقة إنما تكون من الغشيان.
وقوله: (لعلكم تشكرون) أي: لكي تشكروا الله على نعمه التي منها رده الحياة إليكم. وفي هذا إثبات لمعجزة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، واحتجاج على مشركي العرب الذين كانوا غير مؤمنين بالبعث، لأنه كان يذكر لهم من أخبار الذين بعثهم الله