ولد آدم، وإن كان الله لا يفعل إلا ما هو الأصلح في التدبير، والأصوب في الحكمة، فقال الله تعالى (أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين) فيما ظننتم من هذا المعنى، ليدلهم على أنهم إذا لم يعلموا باطن ما شاهدوا، فهم من أن يعلموا باطن ما غاب عنهم أبعد وثانيها: إنه خطر ببالهم أنه لن يخلق الله خلقا إلا وهم أعلم منه وأفضل، في سائر أنواع العلم، فقيل: " إن كنتم صادقين " في هذا الظن، فأخبروا بهذه الأسماء. وثالثها: إن المراد إن كنتم صادقين في أنكم تعلمون، لم أجعل في الأرض خليفة، أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين، لأن كل واحد من الأمرين من علم الغيب، فكما لم تعلموا أحدهما لا تعلمون الآخر عن ابن عباس.
ورابعها: ما قاله الأخفش، والجبائي، وعلي بن عيسى، وهو: إن المراد إن كنتم صادقين فيما تخبرون به من أسمائهم، فأخبروا بها. وهذا كقول القائل لغيره أخبر بما في يدي إن كنت صادقا أي: إن كنت تعلم فأخبر به، لأنه لا يمكنه أن يصدق في مثل ذلك، إلا إذا أخبر عن علم منه. ولا يصح أن يكلف ذلك إلا مع العلم به. ولا بد إذا استدعوا إلى الإخبار عما لا يعلمون من أن يشترط هذا الشرط.
وعلى هذا فيكون لفظه الأمر، ومعناه التنبيه، أو يكون أمرا مشروطا كما يقول العالم للمتعلم: ما تقول في كذا؟ ويعلم أنه لا يحسن الجواب، لينبهه عليه، ويحثه على طلبه، والبحث عنه.
ولو قال له: أخبر بذلك إن كنت تعلم، أو إن كنت صادقا، لكان حسنا. فإذا تنبه على أنه يمكنه الجواب، أجابه حينئذ، فيكون جوابه بهذا التدريج أثبت في قلبه، وأوقع في نفسه. ولا يجوز أن يكون ذلك تكليفا، لأنه لو كان تكليفا لم يكن تبيينا لهم أن آدم يعرف أسماء هذه الأشياء بتعريف الله إياه، وتخصيصه من ذلك بما لا يعرفونه هم. فلما أراد تعريفهم ما خص به آدم من ذلك، علمنا أنه ليس بتكليف. وفي هذه الآية دلالة على شرف العلم وأهله من حيث إن الله سبحانه لما أراد تشريف آدم عليه السلام اختصه بعلم أبانه به من غيره، وفضله به على من سواه.
(قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم (32)).
اللغة: الحكمة: نقيض السفه. والإحكام: الإتقان. والحكيم: المانع من الفساد، ومنه حكمة اللجام لأنها تمنع الفرس من الجري الشديد. قال