الكفار إذا شاهدوا المؤمنين يتحملون المشاق في نصرة الرسول، وموافقتهم له، وتنالهم هذه المكاره، فلا يتغيرون في قوة البصيرة ونقاء السريرة، علموا أنهم إنما فعلوا ذلك لعلمهم بصحة هذا الدين، وكونهم من معرفة صدقه على اليقين، فيكون ذلك داعيا لهم إلى قبول الاسلام، والدخول في جملة المسلمين. وقوله: (وبشر الصابرين) أي: أخبرهم بما لهم على الصبر في تلك المشاق والمكاره، من المثوبة الجزيلة والعاقبة الجميلة.
(الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون (156) أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون (157)).
القراءة: أمال الكسائي في بعض الروايات النون من (إنا)، واللام من (لله). والباقون بالتفخيم.
الحجة: وإنما جازت الإمالة في هذه الألف مع اسم الله، للكسرة مع كثرة الاستعمال، حتى صارت بمنزلة الكلمة الواحدة. قال الفراء: لا يجوز إمالة (إنا) مع غير اسم الله تعالى، في مثل قولك: إنا لزيد، وإنما لم يجز ذلك لأن الأصل في الحروف وما جرى مجراها، امتناع الإمالة فيها. فلا يجوز إمالة حتى، ولكن ما أشبه ذلك، لأن الحروف بمنزلة بعض الكلمة من حيث امتنع فيها التصريف الذي يكون في الأسماء والأفعال.
اللغة: المصيبة: المشقة الداخلة على النفس لما يلحقها من المضرة، وهو من الإصابة، كأنها تصيبها بالنكبة. والرجوع: مصير الشئ إلى ما كان، يقال رجعت الدار إلى فلان: إذا ملكها مرة ثانية، وهو نظير العود والمصير.
والاهتداء: الإصابة لطريق الحق.
المعنى: ثم وصف عز اسمه الصابرين، فقال: (الذين إذا أصابتهم مصيبة) أي: نالتهم نكبة في النفس أو المال، فوطنوا أنفسهم على ذلك احتسابا للأجر. (قالوا إنا لله): هذا إقرار بالعبودية أي: نحن عبيد الله وملكه. (وإنا إليه راجعون) هذا إقرار بالبعث والنشور أي: نحن إلى حكمه نصير، ولهذا قال أمير المؤمنين عليه السلام: " إن قولنا (إنا لله) إقرار على أنفسنا بالملك. وقولنا (وإنا إليه راجعون) إقرار على أنفسنا بالهلك. وإنما كانت هذه