الخروج من اللام إلى الهمزة، لبعد الهمزة من اللام، وكذلك الخروج من الصاد إلى الحاء أعدل من الخروج من الألف إلى اللام. فباجتماع هذه الأمور التي ذكرناها كان أبلغ منه وأحسن، وإن كان الأول حسنا بليغا، وقد أخذه الشاعر فقال:
أبلغ أبا مسمع عني مغلغلة، * وفي العتاب حياة بين أقوام (1) وهذا وإن كان حسنا فبينه وبين لفظ القرآن ما بين أعلى الطبقة وأدناها، وأول ما فيه أن ذلك استدعاء إلى العتاب، وهذا استدعاء إلى العدل، وفي ذلك إبهام. وفي الآية بيان عجيب.
وقوله: (يا أولي الألباب) معناه: يا ذوي العقول، لأنهم الذين يعرفون العواقب، ويتصورون ذلك، فلذلك خصهم. (لعلكم تتقون) في لعل ثلاثة أقوال أحدها: إنه بمعنى اللام أي: لتتقوا والثاني: إنه للرجاء والطمع، كأنه قال: على رجائكم وطمعكم في التقوى والثالث: على معنى التعرض أي: على تعرضكم للتقوى. وفي (تتقون) قولان أحدهما: لعلكم تتقون القتل بالخوف من القصاص، عن ابن عباس والحسن وابن زيد. والثاني: لعلكم تتقون ربكم باجتناب معاصيه، وهذا أعم.
(كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خير الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقا على المتقين (180)).
اللغة: المعروف هو العدل الذي لا يجوز أن ينكر، ولا حيف فيه ولا جور. والحضور: وجود الشئ بحيث يمكن أن يدرك. والحق هو الفعل الذي لا يجوز إنكاره. وقيل: هو ما علم صحته سواء كان قولا أو فعلا أو اعتقادا، وهو مصدر حق يحق حقا.
الاعراب: قوله (كتب عليكم): المعنى وكتب عليكم إلا أن الكلام إذا طال استغنى عن العطف بالواو، وعلم أن معناه معنى الواو، لأن القصة الأولى قد استتمت، وفي القصة الثانية ذكر مما في الأولى، فاتصلت هذه بتلك لأجل الذكر، والوصية ارتفعت لأحد وجهين: إما بأنه اسم ما لم يسم فاعله، وهو كتب. وإما بأنه مبتدأ وقوله (للوالدين): خبره. والجملة في موضع رفع على