وقيل: كتابتهم بأيديهم أنهم عمدوا إلى التوراة وحرفوا صفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ليوقعوا الشك بذلك للمستضعفين من اليهود، وهو المروي، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام، وعن جماعة من أهل التفسير. وقيل: كانت صفته في التوراة أسمر، ربعة، فجعلوه آدم طويلا. وفي رواية عكرمة، عن ابن عباس، قال: إن أحبار اليهود، وجدوا صفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم مكتوبة في التوراة: أكحل، أعين، ربعة، حسن الوجه، فمحوه من التوراة حسدا وبغيا، فأتاهم نفر من قريش، فقالوا: أتجدون في التوراة نبيا منا؟ قالوا: نعم، نجده طويلا أزرق، سبط الشعر، ذكره الواحدي بإسناده في الوسيط.
وقيل: المراد بالآية كاتب كان يكتب للنبي، فيغير ما يملي عليه، ثم ارتد ومات فلفظته الأرض. والأول أوجه، لأنه أليق بنسق الكلام. وقوله: (ليشتروا به ثمنا قليلا) يريد: ليأخذوا به ما كانوا يأخذونه في عوامهم من الأموال. وإنما ذكر لفظ الاشتراء توسعا، والمراد أنهم تركوا الحق، وأظهروا الباطل، ليأخذوا على ذلك شيئا، كمن يشتري السلعة بما يعطيه، والفائدة في قوله (ثمنا قليلا) أن كل ثمن له لا يكون إلا قليلا، وللعرب في ذلك طريقه معروفة يعرفها من تصفح كلامهم.
وقيل: إنما وصفه بالقلة لأنه عرض الدنيا، وهو قليل المدة، كقوله تعالى: (قل متاع الدنيا قليل)، عن أبي العالية. وقيل: إنما قال (قليل) لأنه حرام. وقوله (فويل لهم مما كتبت أيديهم) أي: عذاب لهم، وخزي لهم، وقبح لهم، مما فعلوا من تحريف الكتاب، (وويل لهم مما يكسبون) من المعاصي. وقيل: مما يجمعون من المال الحرام، والرشى التي يأخذونها من العوام.
(وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون (80)).
اللغة: المس: نظير اللمس. والفرق بينهما: إن مع اللمس إحساسا وأصله اللصوق وحده الجمع بين الشيئين على نهاية القرب. والإخلاف: نقض ما تقدم من العهد بالفعل.
الاعراب: (أياما): انتصب على الظرف. وأصل أتخذتم: أأتخذتم، دخلت همزة الاستفهام على همزة الوصل، فسقطت همزة الوصل. ومن القراء من أدغم الذال في التاء من (أتخذتم)، وفيهم من لم يدغم. و (أم):