المعنى: معنى هذه الآية يتعلق بما قبلها، لأنه تعالى أمرهم بعبادته، والاعتراف بنعمته، ثم عدد لهم صنوف نعمه ليستدلوا بذلك على وجوب عبادته، فإن العبادة إنما تجب لأجل النعم المخصوصة. فقال سبحانه: (الذي جعل لكم الأرض فراشا) أي: بساطا يمكنكم أن تستقروا عليها، وتفترشوها، وتتصرفوا فها، وذلك لا يمكن إلا بأن تكون مبسوطة ساكنة دائمة السكون.
(والسماء بناء) أي: سقفا مرفوعا مبنيا (وانزل من) نحو (السماء) أي: من السحاب (ماء فأخرج به) أي: بالماء (من الثمرات رزقا لكم) أي: عطاء لكم، وملكا لكم، وغذاء لكم. وهذا تنبيه على أنه هو الذي خلقهم، والذي رزقهم، دون من جعلوه ندا له من الأوثان. ثم زجرهم عن أن يجعلوا له ندا مع علمهم بأن ذلك كما أخبرهم به بقوله (فلا تجعلوا لله أندادا). وقوله (وأنتم تعلمون) يحتمل وجوها أحدها: أن يريد أنكم تعلمون أن الأصنام التي تعبدونها، لم تنعم عليكم بهذه النعم التي عددناها، ولا بأمثالها، وأنها لا تضر ولا تنفع وثانيها: أن يريد أنكم تعقلون وتميزون، ومن كان بهذه الصفة فقد استوفى شرائط التكليف، ولزمته الحجة، وضاق عذره في التخلف عن النظر، وإصابة الحق وثالثها: ما قاله مجاهد وغيره: إن المراد بذلك أهل التوراة والإنجيل دون غيرهم أي: تعلمون ذلك في الكتابين. وقال الشريف الأجل المرتضى، قدس الله روحه: استدل أبو علي الجبائي بقوله تعالى: (الذي جعل لكم الأرض فراشا) وفي آية أخرى (بساطا) على بطلان ما يقوله المنجمون من أن الأرض كروية الشكل، قال: وهذا القدر لا يدل لأنه يكفي من النعمة علينا أن يكون في الأرض بسائط، ومواضع مفروشة، ومسطوحة، وليس يجب أن يكون جميعها كذلك. ومعلوم ضرورة أن جميع الأرض ليس مسطوحا مبسوطا، وإن كان مواضع التصرف فيها بهذه الصفة. والمنجمون لا يدفعون أن يكون في الأرض سطوح يتصرف فيها، ويستقر عليها، وإنما يذهبون إلى أن جملتها كروية الشكل.
(وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين (23)).
اللغة: " إن ": دخلت ههنا لغير شك، لأن الله تعالى علم أنهم