وصيته أجدر، وإلا فمن المعلوم أنه كان يدعو جميع الأنام إلى الاسلام، ويعقوب وهو ابن إسحاق، وإنما سمي يعقوب لأنه وعيصا كانا توأمين، فتقدم عيص، وخرج يعقوب على أثره آخذا بعقبه عن ابن عباس. والمعنى: ووصى يعقوب بنيه الاثني عشر وهم الأسباط.
(ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين) أي: فقالا جميعا: يا بني إن الله أختار لكم دين الاسلام (فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون) أي: لا تتركوا الاسلام فيصادفكم الموت على تركه، أو لا تتعرضوا للموت على ترك الاسلام بفعل الكفر.
وقال الزجاج: معناه إلزموا الاسلام، فإذا أدرككم الموت صادفكم مسلمين. وفي هذه الآية دلالة على الترغيب في الوصية عند الموت، وأنه ينبغي أن يوصي الانسان من يلي أمرهم بتقوى الله ولزوم الدين والطاعة.
(أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحق إلها واحدا ونحن له مسلمون (133)).
اللغة: الشهداء: جمع شهيد. والشاهد والحاضر من النظائر. تقول:
حضرت القوم أحضرهم حضورا: إذا شهدتم. والحضيرة: الجماعة من الناس ما بين الخمسة إلى العشرة. وأحضر الفرس إحضارا: إذا عدا شديدا.
وحاضرت الرجل محاضرة: إذا عدوت معه. وحاضرته: إذا جاثيته عند السلطان، أو في خصومة. وحضرة الرجل: فناؤه. وأصل الباب: الحضور خلاف الغيبة.
الاعراب: (أم) ها هنا: منقطعة، وهي لا تجئ إلا وقد تقدمها كلام، لأنها التي تكون بمعنى بل، وهمزة الاستفهام كأنه قيل: بل أكنتم شهداء.
ومعنى أم ها هنا الجحد أي: ما كنتم شهداء، وإنما كان اللفظ على الاستفهام، والمعنى على خلافه، لأن اخراجه مخرج الاستفهام أبلغ في الكلام، وأشد مظاهرة في الحجاج، إذ يخرج الكلام مخرج التقرير بالحق، فيلزم الحجة أو الانكار له فتظهر الفضيحة. وإذ الأولى ظرف من قوله شهداء، وإذ الثانية بدل من إذ الأولى. وقيل: العامل في الثانية حضر، وكلاهما جائز.