أضعاف ذلك في حال فقره وحاجته، وكذلك لما كان يعامل عباده معاملة الشاكرين، من حيث إنه يوجب الثناء له والثواب، سمى نفسه شاكرا. وقوله: (عليم) أي: بما تفعلونه من الأفعال، فيجازيكم عليها وقيل: عليم بقدر الجزاء، فلا يبخس أحدا حقه. وفي هذه الآية دلالة على أن السعي بين الصفا والمروة عبادة، ولا خلاف في ذلك، وهو عندنا فرض واجب في الحج وفي العمرة، وبه قال الحسن وعائشة، وهو مذهب الشافعي وأصحابه. وقال: إن السنة لوجبت السعي، وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم:
" كتب عليكم السعي فاسعوا ". فأما ظاهر الآية فإنما يدل على إباحة ما كرهوه من السعي، وعند أبي حنيفة وأصحابه هو تطوع وهو اختيار الجبائي. وروي ذلك عن أنس وابن عباس وعندنا وعند الشافعي من تركه متعمدا فلا حج له.
(إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون (159)).
النزول: المعني بالآية اليهود والنصارى، مثل كعب بن الأشرف وكعب بن أسد وابن صوريا وزيد بن التابوه، وغيرهم من علماء النصارى، الذين كتموا أمر محمد ونبوته، وهم يجدونه مكتوبا في التوراة والإنجيل مثبتا فيهما، عن ابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة وأكثر أهل العلم. وقيل: إنه متناول لكل من كتم ما أنزل الله، وهو اختيار البلخي، وهو الأقوى لأنه أعم فيدخل فيه أولئك، وغيرهم.
المعنى: ثم حث الله سبحانه على إظهار الحق وبيانه، ونهى عن إخفائه وكتمانه، فقال: (إن الذين يكتمون) أي: يخفون (ما أنزلنا من البينات) أي: من الحجج المنزلة في الكتب (والهدى) أي: الدلائل. فالأول: علوم الشرع. والثاني: أدلة العقل. فعم. بالوعيد في كتمان جميعها. وقيل: أراد بالبينات: الحجج الدالة على نبوته عليه السلام، وبالهدى: ما يؤديه إلى الخلق من الشرائع. وقيل: البينات والهدى هي الأدلة، وهما بمعنى واحد. وإنما كرر لاختلاف لفظيهما (من بعد ما بيناه للناس في الكتاب) يعني في التوراة والإنجيل من صفته عليه السلام ومن الأحكام. وقيل: في الكتب المنزلة من عند الله. وقيل: أراد بقوله (ما أنزلنا من البينات): الكتب المتقدمة، وبالكتاب: القرآن.