لهم آلهة. قال: إنكم قوم تجهلون. وكان في العرب وأمة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم من جودة القريحة وحدة الفطنة وذكاء الذهن وقوة الفهم، ما كان يمكنهم معه الاستدلال بما يحتاج فيه إلى التأمل، والتدبر، والاستضاءة بنور العقل في التفكر. فجاءت آياتهم متشاكلة لطباعهم المتوقدة، ومجانسة لما ركب في أذهانهم من الدقة والحدة. على أن في جميعها من الحجة الظاهرة والبينة الزاهرة، ما ينفي خارج الشك عن (1) قلب الناظر المستبين، ويفضي به إلى فضاء العلم اليقين، ويوضح له مناهج الصدق، ويولجه موالج الحق، وما يستوي الأعمى والبصير، ولا ينبئك مثل خبير.
(وإذ واعدنا موسى أربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون (51)).
القراءة: قرأ أهل البصرة، وأبو جعفر هاهنا: (وعدنا) بغير ألف. وفي الأعراف، وطه. وقرأ الباقون: (واعدنا) بالألف. وقرأ ابن كثير، وحفص، والبرجمي، ورويس: (اتخذتم واخذتم) وما جاء منه بإظهار الذال. ووافقهم الأعشى فيما كان على افتعلت. والباقون يدغمون.
الحجة: حجة من قرأ بإثبات الألف أنه قال: لا يخلو أن يكون قد كان موسى وعد أو لم يكن، فإن كان منه وعد، فلا إشكال في وجوب القراءة بواعدنا، وإن لم يكن منه وعد، فإن ما كان منه من قبول الوعد، والتحري لإنجازه، والوفاء به، يقوم مقام الوعد. والقراءة بواعدنا دلالة من الله على وعده، وقبول موسى، ولأنه إذا حسن في مثل قوله بما أخلفوا الله ما وعدوه الاخبار بالوعد منهم لله تعالى، كان هنا الاختيار واعدنا.
ومن قرأ (وعدنا) بغير ألف، وهو أشد مطابقة للمعنى، إذ كان القبول ليس بوعد في الحقيقة إذ الوعد إنما هو إخبار الموعود بما يفعل به من خير. وعلى هذا فيكون قوله (بما أخلفوا الله ما وعدوه) مجازا حقيقته بما أخبروا أنهم فاعلوه (2). وقال بعضهم: إن المواعدة في الحقيقة، لا تكون إلا بين البشر، والله تعالى هو المتفرد بالوعد والوعيد، كما قال: (وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات) (وإذ