كقوله: (ومن يدع مع الله إلها آخر لا برهان له به) وإنما أراد بذلك نفي البرهان عنه على كل حال، وأنه لا يجوز أن يكون عليه برهان. ومثله قوله (ويقتلون النبيين بغير حق) وإنما أراد أن قتلهم لا يكون إلا بغير حق. ونظائر ذلك كثيرة، ومنه قول امرئ القيس:
على لاحب لا يهتدى بمناره، * إذا سافه العود الديافي جرجرا وإنما أراد أنه لا منار هناك فيهتدى به. وفي هذه الآية دلالة على تحريم أخذ الرشى في الدين، لأنه لا يخلو إما أن يكون أمرا يجب إظهاره أو يحرم إظهاره.
فالأخذ على مخالفة كلا الوجهين حرام. وهذا الخطاب يتوجه أيضا على علماء السوء من هذه الأمة، إذا اختاروا الدنيا على الدين، فتدخل فيه الشهادات، والقضايا، والفتاوى، وغير ذلك.
(ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون (42)).
اللغة: اللبس، والتغطية، والتعمية، نظائر. والفرق بين التغطية والتعمية: إن التغطية تكون بالزيادة، والتعمية قد تكون بالنقصان والزيادة، وضد اللبس: الإيضاح. واللباس: ما واريت به جسدك. ولباس التقوى:
الحياء. واللبس: خلط الأمور بعضها ببعض. والفعل لبس الأمر يلبس لبسا، ولبس الثوب يلبسه لبسا. والفرق بين اللبس والإخفاء: إن الإخفاء يمكن أن يدرك معه المعنى، ولا يمكن مع اللبس إدراك المعنى. والإشكال قد يدرك معه المعنى، إلا أنه بصعوبة لأجل التعقيد. وقال أمير المؤمنين عليه السلام للحرث بن حوط: يا " حار! إنه ملبوس عليك أن الحق لا يعرف بالرجال، اعرف الحق تعرف أهله ". والباطل والبطل واحد، وهو ضد الحق. والبطلان والفساد والكذب والزور والبهتان نظائر. وأبطلت الشئ: جعلته باطلا. وأبطل الرجل: جاء بباطل.
الاعراب: قوله " وتكتموا الحق ": يحتمل وجهين من الإعراب:
أحدهما: الجزم على النهي، كأنه قال لا تلبسوا الحق، ولا تكتموا، فيكون عطف جملة على جملة. والآخر: النصب على الظرف بإضمار أن، فيكون عطف الاسم على مصدر الفعل الذي قبله، وتقديره لا يكن منكم لبس الحق وكتمانه. ودل تلبسوا على لبس، كما يقال من كذب كان شرا له، فكذب يدل