اشتروا الضلالة بالهدى) قال ابن عباس: أخذوا الضلالة وتركوا الهدى، ومعناه: استبدلوا الكفر بالإيمان. ومتى قيل: كيف قال ذلك وإنما كانوا منافقين، ولم يتقدم نفاقهم إيمانا؟ فنقول: للعلماء فيه وجوه أحدها: إن المراد باشتروا استحبوا واختاروا، لأن كل مشتر مختار ما في يدي صاحبه على ما في يديه، عن قتادة وثانيها: إنهم ولدوا على الفطرة، كما جاء في الخبر.
فتركوا ذلك إلى الكفر، فكأنهم استبدلوه به وثالثها: إنهم استبدلوا بالإيمان الذي كانوا عليه قبل البعثة كفرا، لأنهم كانوا يبشرون بمحمد، ويؤمنون به صلى الله عليه وآله وسلم، فلما بعث كفروا به، فكأنهم استبدلوا الكفر بالإيمان، عن الكلبي، ومقاتل. وقوله: (فما ربحت تجارتهم) أي: خسروا في استبدالهم الكفر بالإيمان، والعذاب بالثواب، وقوله: (وما كانوا مهتدين) أي: مصيبين في تجارتهم كأصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم. وقيل: أراد سبحانه أن ينفي عنهم الربح والهداية، فإن التاجر قد يخسر ولا يربح، ويكون على هدى. فإن قيل: كيف قال فما ربحت تجارتهم في موضع ذهبت فيه رؤوس أموالهم؟ فالجواب: إنه ذكر الضلالة والهدى، فكأنه قال طلبوا الربح فلم يربحوا وهلكوا. والمعنى فيه: إنه ذهبت رؤوس أموالهم. ويحتمل أن يكون ذكر ذلك على التقابل، وهو أن الذين اشتروا الضلالة بالهدى لم يربحوا، كما أن الذين اشتروا الهدى بالضلالة ربحوا.
(مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون (17)).
اللغة: المثل والمثل، والشبه والشبه، نظائر. وحقيقة المثل ما جعل كالعلم على معنى سائر يشبه فيه الثاني بالأول، ومثاله قول كعب بن زهير:
كانت مواعيد عرقوب لنا مثلا، وما مواعيده إلا الأباطيل فمواعيد عرقوب: علم في كل ما لا يصح من المواعيد. ومنه التمثال لأنه يشبه الصورة. والذي قد يوضع موضع الجمع كقوله تعالى: (والذي جاء بالصدق وصدق به) ثم قال (أولئك هم المتقون) قال الشاعر (1):