وإذا قيل: لم خص عيسى عليه السلام، من بين الأنبياء، بأنه مؤيد بجبرائيل، وكل نبي مؤيد به؟ فالقول فيه: إنه إنما خص بذلك لثبوت اختصاصه به من صغره إلى كبره، فكان يسير معه حيث سار. ولما هم اليهود بقتله لم يفارقه حتى صعد به إلى السماء. وكان تمثل لمريم عند حملها به، وبشرها به، ونفخ فيها.
واختلف في معنى القدس، فقيل: هو الطهر. وقيل: هو البركة، عن السدي. وحكى قطرب أنهم يقولون قدس عليه الأنبياء أي: بركوا. وعلى هذا فإنه كدعاء إبراهيم عليه السلام للحرم: (رب اجعل هذا بلدا آمنا)، وكقول زكريا: (واجعله رب رضيا). وقيل: القدس هو الله تعالى، عن الحسن، والربيع، وابن زيد، وقالوا: القدوس والقدس واحد.
وقوله: (أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم) خطاب لليهود، فكأنه قال: يا معشر يهود بني إسرائيل! أكلما جاءكم رسول من رسلي بغير الذي تهواه أنفسكم، تعظمتم وتجبرتم وأنفتم من قبول قوله (ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون) أي: فكذبتم منهم بعضا ممن لم تقدروا على قتله مثل عيسى عليه السلام ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم، وقتلتم بعضا مثل يحيي وزكريا وغيرهما. وظاهر الخطاب وإن خرج مخرج التقرير فهو بمعنى الخبر، وإنما أضاف هذا الفعل إليهم، وإن لم يباشروه بنفوسهم، لأنهم رضوا بفعل أسلافهم، فأضيف الفعل إليهم، وإن فعله أسلافهم.
(وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا ما يؤمنون (88)).
القراءة: القراءة المشهورة: (غلف) بسكون اللام. وروي في الشواذ عن أبي عمرو: (غلف) بضم اللام.
الحجة: من قرأ بالتسكين فهو جمع الأغلف مثل أحمر وحمر، ويقال في ضرورة الشعر نحو قول طرفة:
أيها الفتيان في مجلسنا! * جردوا منها ورادا وشقر فحركت لضرورة الشعر. فمن قرأ غلف مثقلا فهو جمع غلاف نحو: مثال ومثل، وحمار وحمر، فيكون معناه: إن قلوبنا أوعية للعلم، فما بالها لا تفهم.
ويجوز أن لكون التسكين عن التثقيل مثل رسل ورسل.
اللغة: اللعن: هو الإقصاء والإبعاد. يقال: لعن فلان فهو ملعون، ثم