(تخفيف من ربكم ورحمة) معناه إنه جعل لكم القصاص أو الدية أو العفو وخيركم بينها، وكان لأهل التوراة القصاص أو العفو، ولأهل الإنجيل العفو أو الدية.
وقوله: (فمن اعتدى بعد ذلك) أي بأن قتل بعد قبول الدية، أو العفو، عن ابن عباس، والحسن، وقتادة، ومجاهد، وهو المروي عن أبي جعفر وأبي عبد الله عليهما السلام. وقيل: بأن قتل غير قاتله، أو طلب أكثر مما وجب له من الدية. وقيل:
بأن جاوز الحد بعد ما بين له كيفية القصاص. قال القاضي: ويجب حمله على الجميع لعموم اللفظ (فله عذاب أليم) في الآخرة.
(ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون (179)).
اللغة: الألباب: العقول، واحدها لب، مأخوذ من لب النخلة. ولب بالمكان وألب به: إذا قام. واللب: البال.
المعنى: ثم بين سبحانه وجه الحكمة في إيجاب القصاص، فقال:
(ولكم) أيها المخاطبون (في القصاص حياة) فيه قولان أحدهما: إن معناه في إيجاب القصاص حياة، لأن من هم بالقتل فذكر القصاص ارتدع، فكان ذلك سببا للحياة، عن مجاهد وقتادة وأكثر أهل العلم والثاني: إن معناه لكم في وقوع القتل حياة، لأنه لا يقتل إلا القاتل دون غيره، بخلاف ما كان يفعله أهل الجاهلية الذين كانوا يتفانون بالطوائل (1)، عن السدي والمعنيان جميعا حسنان، ونظيره من كلام العرب: القتل أنفى للقتل، إلا أن ما في القران أكثر فائدة، وأوجز في العبارة، وأبعد من الكلفة بتكرير الجملة، وأحسن تأليفا بالحروف المتلائمة. فأما كثرة الفائدة فلأن فيه جميع ما في قولهم القتل أنفى للقتل، وزيادة معاني منها: إبانة العدل لذكره القصاص. ومنها: إبانة الغرض المرغوب فيه، وهو الحياة. ومنها: الاستدعاء بالرغبة والرهبة، وحكم الله به.
وأما الإيجاز في العبارة فإن الذي هو نظير القتل أنفى للقتل، قوله: (القصاص حياة)، وهو عشرة أحرف، وذلك أربعة عشر حرفا. وأما بعده من الكلفة فهو أن في قولهم القتل أنفى للقتل تكريرا غيره أبلغ منه. وأما الحسن بتأليف الحروف المتلائمة فإنه مدرك بالحس، وموجود باللفظ، فإن الخروج من الفاء إلى اللام أعدل من