(وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان لعلكم تهتدون (53)).
اللغة: الفرقان: مصدر فرقت بين الشيئين أفرق فرقا وفرقانا، ويسمى كل فارق فرقانا كما سمي كتاب الله فرقانا لفصله بين الحق والباطل. وسمى الله تعالى يوم بدر الفرقان، لأنه فرق في ذلك اليوم بين الحق والباطل وقال (إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا) أي: يفرق بينكم وبين ذنوبكم.
المعنى: (و) اذكروا (إذ آتينا) أي: أعطينا (موسى الكتاب) وهو التوراة (والفرقان) اختلفوا فيه على وجوه أحدها: وهو قول ابن عباس: إن المراد به التوراة أيضا، وإنما عطفه عليه لاختلاف اللفظين كقول عنترة: (أقوى وأقفر بعد أم الهيثم) وقال عدي بن زيد:
وقددت الأديم لراهشيه * وألفى قولها كذبا، ومينا والمين: الكذب وثانيها: إن الكتاب عبارة عن التوراة. والفرقان: انفراق البحر الذي أتاه موسى عليه السلام. وثالثها: إن المراد بالفرقان بين الحلال والحرام، والفرق بين موسى وأصحابه المؤمنين، وبين فرعون وأصحابه الكافرين بأشياء كثيرة، منها: إنه نجى هؤلاء وأغرق هؤلاء ورابعها: إن المراد بالفرقان القران، ويكون تقديره: وآتينا موسى التوراة، وآتينا محمدا الفرقان، فحذف ما حذف لدلالة ما أبقاه عليه، كما حذف الشاعر في قوله:
تراه كان الله يجدع أنفه، * وعينيه، إن مولاه كان له وفر يريد: ويفقأ عينيه، لأن الجدع لا يكون للعينين، واكتفى بيجدع عن يفقأ.
وقال آخر:
يا ليت بعلك قد غدا * متقلدا سيفا، ورمحا أراد وحاملا رمحا، وهو قول الفراء، وقطرب، وثعلب. وضعف قوم هذا الوجه لأن فيه حمل القرآن على المجاز من غير ضرورة، مع أنه تعالى أخبر أنه أتى موسى الفرقان في قوله: (ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان). وقوله: (لعلكم تهتدون) أي: لكي تهتدوا بما في التوراة من البشارة بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم، وبيان صفته.
(وإذ قال موسى لقومه يا قوم إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم