إشفاقهم من الإقامة على معصية الله. قال الرماني: وفيه بعد لكثرة الحذف.
وقيل: الذين يظنون انقضاء آجالهم، وسرعة موتهم، فيكونون أبدا على حذر ووجل، ولا يركنون إلى الدنيا، كما يقال لمن مات: لقي الله. ويدل على أن المراد بقوله " ملاقوا ربهم " ملاقون جزاء ربهم قوله تعالى في صفة المنافقين:
(فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه). ولا خلاف في أن المنافق لا يجوز أن يرى ربه.
وكذلك قوله: (ولو ترى إذ وقفوا على ربهم قال أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون). وجاء في الحديث: (من حلف على مال امرئ مسلم كاذبا، لقي الله وهو عليه غضبان). وليس اللقاء من الرؤية في شئ، يقال: لقاك الله محابك، ولا يراد به أن يرى أشخاصا، وإنما يراد به لقاء ما يسره. وقوله: (وأنهم إليه راجعون) يسأل هنا فيقال: ما معنى الرجوع في الآية وهم ما كانوا قط في الآخرة، فيعودوا إليها؟ وجوابه من وجوه: أحدها: إنهم راجعون بالإعادة في الآخرة، عن أبي العالية وثانيها: إنهم يرجعون بالموت كما كانوا في الحال المتقدمة، لأنهم كانوا أمواتا فأحيوا، ثم يموتون فيرجعون أمواتا كما كانوا.
وثالثها: إنهم يرجعون إلى موضع لا يملك أحد لهم ضرا، ولا نفعا غيره تعالى، كما كانوا في بدء الخلق، لأنهم في أيام حياتهم قد يملك غيرهم الحكم عليهم، والتدبير لنفعهم وضرهم، يبين ذلك قوله: " مالك يوم الدين " وتحقيق معنى الآية أنهم يقرون بالنشأة الثانية، فجعل رجوعهم بعد الموت إلى المحشر، رجوعا إليه.
(يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين (47)).
المعنى: قد مضى تفسير أول الآية فيما تقدم وقوله: (وأني فضلتكم على العالمين) قال ابن عباس: أراد به عالمي أهل زمانهم، لأن أمتنا أفضل الأمم بالإجماع، كما أن نبينا، عليه أفضل الصلاة والسلام، أفضل الأنبياء، وبدليل قوله (كنتم خير أمة أخرجت للناس). وقيل: المراد به تفضيلهم في أشياء مخصوصة، وهي: إنزال المن والسلوى، وما أرسل الله فيهم من الرسل، وأنزل عليهم من الكتب، إلى غير ذلك من النعم العظيمة، من تغريق فرعون، والآيات الكثيرة التي يخف معها الاستدلال، ويسهل بها الميثاق (1)،