وينشئ الحيوان على وجه الاختراع، وهذا لا يجوز، ومن صدق به فهو لا يعرف النبوة، ولا يأمن أن تكون معجزات الأنبياء من هذا النوع.
ولو أن الساحر والمعزم قدرا على نفع أو ضر، وعلما الغيب، لقدرا على إزالة.
الممالك، واستخراج الكنوز من معادنها، والغلبة على البلدان بقتل الملوك، من غير أن ينالهم مكروه وضرر. فلما رأيناهم أسوأ الناس حالا، وأكثرهم مكيدة واحتيالا، علمنا أنهم لا يقدرون على شئ من ذلك. فأما ما روي من الأخبار أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سحر، فكان يرى أنه فعل ما لم يفعله، وأنه لم يفعل ما فعله، فأخبار مفتعلة لا يلتفت إليها. وقد قال الله، سبحانه وتعالى، حكاية عن الكفار: (إن تتبعون إلا رجلا مسحورا) فلو كان للسحر عمل فيه، لكان الكفار صادقين في مقالهم، حاشا النبي صلى الله عليه وآله وسلم، من كل صفة نقص، تنفر عن قبول قوله، فإنه حجة الله على خليقته، وصفوته على بريته.
(ولو أنهم آمنوا واتقوا لمثوبة من عند الله خير لو كانوا يعلمون (103)).
اللغة: المثوبة والثواب والأجر نظائر. ونقيض المثوبة: العقوبة، يقال: ثاب يثوب ثوبا وثوابا وأثابه إثابة ومثوبة وثوابا. والأصل في الثواب: ما رجع إليك من شئ.
يقال: اعترت الرجل غشية ثم ثابت إليه نفسه، ولذلك سمي الثواب ثوابا، لأنه العائد إلى صاحبه مكافاة لما فعل. ومنه التثويب في الأذان وهو ترجيع الصوت، يقال: ثوب الداعي: إذا كرر دعاءه إلى الحرب، أو غيرها. ويقال: انهزم القوم ثم ثابوا أي: رجعوا. والثوب: مشتق من هذا أيضا، لأنه ثاب لباسا بعد أن كان قطنا، أو غزلا. والمثابة: الموضع يثوب إليه الناس. وفي الشواذ قرأ قتادة: (لمثوبة) بسكون الثاء وفتح الواو، وهي لغة كما قالوا مشورة ومشورة. وأجمع العرب على قولهم: هذا خير منه، وهذا شر منه، إلا بعض بني عامر، فإنهم يقولون: هذا أخير من ذا، وأشر من ذا.
الاعراب: اللام في (لمثوبة) لام الابتداء، وهي في موضع جواب (لو) لأنها تنبئ عن قولك لأثيبوا. والضمير في (أنهم) عائد إلى الذين يتعلمون السحر.