الحق المأمور به من ربك. ويحتمل أن يراد بالحق الثابت الذي لا يزول بنسخ، كما يوصف القديم سبحانه بأنه الحق الثابت الذي لا يزول. (وما الله بغافل عما تعملون) معناه هنا التهديد، كما يقول الملك لعبيده: ليس يخفى علي ما أنتم عليه فيه. ومثله قوله (إن ربك لبالمرصاد).
(ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره لئلا يكون للناس عليكم حجة إلا الذين ظلموا منهم فلا تخشوهم واخشوني ولاتم نعمتي عليكم ولعلكم تهتدون (150)).
الاعراب: (لئلا يكون): هو لأن لا كتبت الهمزة ياء لكسرة ما قبلها، وترك نافع همزها تخفيفا، وأدغمت النون في اللام. وموضع اللام من (لئلا) نصب. والعامل فيه (فولوا). وقال الزجاج: العامل فيه ما دخل الكلام من معنى عرفتكم ذلك لئلا يكون. وكذلك قوله (ولاتم نعمتي) اللام تتعلق بقوله فولوا، وتقديره لأن أتم. وقوله: (إلا الذين ظلموا) فيه أقوال أحدها إنه استثناء منقطع كقوله (ما لهم من علم إلا اتباع الظن) ويقال: ماله علي حق إلا التعدي والظلم، يعني لكنه يتعدى ويظلم. وقال النابغة:
ولا عيب فيهم، غير أن سيوفهم، * بهن فلول من قراع الكتائب (1) وكأنه يقول: إن كان فيهم عيب فهذا، وليس هذا بعيب، فإذا ليس فيهم عيب. وهكذا في الآية إن كان على المؤمنين حجة، فللظالم في احتجاجه، وليس للظالم حجة، فإذا ليس عليهم حجة والثاني: أن تكون الحجة بمعنى المحاجة، فكأنه قال: لئلا يكون للناس عليكم حجاج، إلا الذين ظلموا، فإنهم يحاجونكم بالباطل. فعلى هذا يكون الاستثناء متصلا. والثالث: ما قاله أبو عبيدة: إن (لا) ها هنا بمعنى الواو أي: ولا الذين ظلموا. وأنكر عليه الفراء والمبرد. قال الفراء:
الا لا يأتي بمعنى الواو من غير أن يتقدمه استثناء، كما قال الشاعر:
ما بالمدينة دار غير واحدة * دار الخليفة، إلا دار مروانا أي دار الخليفة، ودار مروان. وأنشد الأخفش: