الملة، وتحريف الكتاب على ما قاله الضحاك. (قالوا إنما نحن مصلحون):
وهو يحتمل أمرين أحدهما: إن الذي يسمونه فسادا هو عندنا صلاح، لأنا إنما نفعل ذلك كي نسلم من الفريقين. والآخر: إنهم جحدوا ذلك، وقالوا. إنا لا نعمل بالمعاصي، ولا نمالئ الكفار، ولا نحرف الكتاب، وكان ذلك نفاقا منهم، كما قالوا (آمنا بالله) ولم يؤمنوا. ثم قال (ألا إنهم) أي: إعلموا أن هؤلاء المنافقين الذين يعدون الفساد صلاحا (هم المفسدون) وهذا تكذيب من الله تعالى لهم. (ولكن لا يشعرون) أي: لا يعلمون أن ما يفعلونه فساد، وليس بصلاح، ولو علموا ذلك لرجي صلاحهم. وقيل: لا يعلمون ما يستحقونه من العقاب. وهذه الآية تدل على بطلان مذهب أصحاب المعارف، لقوله (لا يعلمون) وإنما جاز تكليفهم، وإن لم يشعروا أنهم على ضلال، لأن لهم طريقا إلى العلم بذلك.
(وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون (13)).
القراءة: السفهاء: أهل الكوفة وابن عامر حققوا الهمزتين. وأهل الحجاز، وأبو عمرو همزوا الأولى، ولينوا الثانية، وكذا كل همزتين مختلفتين من كلمتين. وقد ذكرنا الوجه فيها حيث ذكرنا اجتماع الهمزتين في كلمة واحدة وهو قوله: (أنذرتهم).
اللغة: السفهاء: جمع سفيه. والسفيه: الضعيف الرأي الجاهل، القليل المعرفة بمواضع المنافع والمضار، ولذلك سمى الله الصبيان والنساء سفهاء بقوله: (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما). وقال قطرب: السفيه العجول الظلوم، القائل خلاف الحق. وقال مؤرج: السفيه الكذاب البهات، المتعمد بخلاف ما يعلم. وقيل: السفه خفة الحلم، وكثرة الجهل، يقال: ثوب سفيه: إذا كان رقيقا باليا. وسفهته الرياح أي: طيرته.
وقد جاء في الأخبار: إن شارب الخمر سفيه. والألف واللام في الناس، وفي السفهاء، للعهد، لا للجنس، والمراد بهم المؤمنون من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وإنما سموا الناس لأن الغلبة كانت لهم.