فلما أمر الله عز وجل إبراهيم أن يبني البيت، لم يدر في أي مكان يبنيه، فبعث الله جبرائيل، فخط له موضع البيت، وأنزل عليه القواعد من الجنة، وكان الحجر الذي أنزله الله على آدم، أشد بياضا من الثلج. فلما مسته أيدي الكفار أسود قال:
فبنى إبراهيم البيت، ونقل إسماعيل الحجر من ذي طوى، فرفعه في السماء تسعة أذرع، ثم دله على موضع الحجر، فاستخرجه إبراهيم، ووضعه في موضعه الذي هو فيه، وجعل له بابين: بابا إلى المشرق، وبابا إلى المغرب. فالباب الذي إلى المغرب يسمى المستجار، ثم ألقى عليه الشيح والأذخر (1)، وعلقت هاجر على بابه كساء كان معها، فكانوا يكونون تحته.
فلما بناه وفرغ، حج إبراهيم وإسماعيل، ونزل عليهما جبرائيل يوم التروية، لثمان خلت من ذي الحجة، فقال: يا إبراهيم! قم فارتو من الماء، لأنه لم يكن بمنى وعرفات ماء، فسميت التروية لذلك. ثم أخرجه إلى منى، فبات بها، ففعل به ما فعل بآدم، فقال إبراهيم لما فرغ من بناء البيت: (رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات) الآية.
(ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم (128)).
القراءة: قرأ ابن كثير: (أرنا) بإسكان الراء كل القرآن، ووافقه ابن عامر، وأبو بكر عن عاصم في السجدة: (ربنا أرنا الذين) وقرأ أبو عمرو بالاختلاس لكسرة الراء من غير إشباع كل القرآن. والباقون بالكسر.
الحجة: الاختيار كسرة الراء، لأنها كسرة الهمزة، قد حولت إلى الراء، لأنه أصله أرإنا فنقلت الكسرة إلى الراء، وسقطت الهمزة. ولأن في إسكان الراء بعد سقوط الهمزة إجحافا بالكلمة، وإبطالا للدلالة على الهمزة. ومن سكنه فعلى وجه التشبيه بما يسكن في مثل كبد وفخذ، ونحو قول الشاعر: (لو عصر منه البان والمسك انعصر). وقال الآخر: