المعنى: ثم رد الله سبحانه عليهم مقالتهم، فقال: (بلى من أسلم وجهه لله) قيل: معناه من أخلص نفسه لله، بأن سلك طريق مرضاته، عن ابن عباس. وقيل: وجه وجهه لطاعة الله. وقيل: فوض أمره إلى الله. وقيل:
استسلم لأمر الله، وخضع وتواضع لله، لأن أصل الاسلام الخضوع والانقياد، وإنما خص الوجه لأنه إذا جاد بوجهه في السجود، لم يبخل بسائر جوارحه (وهو محسن) في عمله. وقيل: وهو مؤمن. وقيل: مخلص (فله أجره عند ربه) معناه: فله جزاء عمله عند الله (ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون) في الآخرة. وهذا ظاهر على قول من يقول إنه لا يكون على أهل الجنة خوف في الآخرة. وأما على قول من قال إن بعضهم يخاف، ثم يأمن، فمعناه أنهم لا يخافون فوت جزاء أعمالهم، لأنهم يكونون على ثقة بأن ذلك لا يفوتهم.
(وقالت اليهود ليست النصارى على شئ وقالت النصارى ليست اليهود على شئ وهم يتلون الكتاب كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون (113)).
اللغة: القيامة: مصدر، إلا أنه صار كالعلم على وقت بعينه، وهو الوقت الذي يبعث الله، عز وجل، فيه الخلق، فيقومون من قبورهم إلى محشرهم، تقول: قام يقوم قياما وقيامة مثل عاد يعود عيادا وعيادة.
الاعراب: (وهم يتلون): جملة من مبتدأ وخبر، منصوبة الموضع على الحال، والعامل (قالت) وذو الحال اليهود والنصارى. والكاف في (كذلك) يتعلق بيتلون، أو بقال الذين، وتقديره وهم يتلون الكتاب كتلاوتكم، أو قال الذين لا يعلمون، وهم المشركون، كقول اليهود والنصارى، ومثل صفة مصدر محذوف تقديره: قولا مثل قولهم.
النزول: قال ابن عباس: إنه لما قدم وفد نجران من النصارى على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتتهم أحبار اليهود، فتنازعوا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقال رافع بن حرملة: ما أنتم على شئ، وجحد نبوة عيسى، وكفر بالإنجيل. فقال رجل من أهل نجران: ليست اليهود على شئ، وجحد نبوة موسى، وكفر بالتوراة، فأنزل الله هذه الآية.