ولا يحرفونه، ثم يعملون بحلاله، ويقفون عند حرامه، ومنه قوله (والقمر إذا تلاها) أي: تبعها. وبه قال ابن مسعود، ومجاهد، وقتادة، إلا أن المراد به القرآن عندهم. وثانيها: إن المراد به: يصفونه حق صفته في كتبهم لمن يسألهم من الناس، عن الكلبي. وعلى هذا تكون الهاء راجعة إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم. ووثالثها: ما روي عن أبي عبد الله عليه السلام: إن حق تلاوته هو الوقوف عند ذكر الجنة والنار، يسأل في الأولى، ويستعيذ من الأخرى.
ورابعها: إن المراد: يقرأونه حق قراءته، يرتلون ألفاظه، ويفهمون معانيه وخامسها: إن المراد: يعملون حق العمل به، فيعملون بمحكمه، ويؤمنون بمتشابهه، ويكلون ما أشكل عليهم إلى عالمه، عن الحسن. وقوله: (أولئك يؤمنون به) أي: بالكتاب، عن أكثر المفسرين. وقيل: بالنبي عليه السلام، عن الكلبي. (ومن يكفر به) وهم اليهود. وقيل: هم جميع الكفار وهو الأولى لعمومه. (فأولئك هم الخاسرون) خسروا أنفسهم، وأعمالهم. وقيل: خسروا في الدنيا الظفر والنصر وفي الآخرة ما أعد الله للمؤمنين من نعيم الجنة.
(يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأني فضلتكم على العالمين (122)).
المعنى: هذه الآية قد تقدم ذكر مثلها في رأس نيف وأربعين آية، ومضى تفسيرها. وقيل في سبب تكريرها ثلاثة أقوال أحدها: إن نعم الله سبحانه لما كانت أصول كل نعمة، كرر التذكير بها مبالغة في استدعائهم إلى ما يلزمهم من شكرها، ليقبلوا إلى طاعة ربهم المظاهر نعمه عليهم. وثانيها: إنه سبحانه لما ذكر التوراة، وفيها الدلالة على شأن عيسى ومحمد عليهما السلام، في النبوة، والبشارة بهما، ذكرهم نعمته عليهم بذلك، وما فضلهم به، كما عدد النعم في سورة الرحمن. وكرر قوله (فبأي آلاء ربكما تكذبان). فكل تقريع (1) جاء بعد تقريع، فإنما هو موصول بتذكير نعمة غير الأولى، وثالثة غير الثانية، إلى آخر السورة، وكذلك الوعيد في سورة المرسلات بقوله (ويل يومئذ للمكذبين)، إنما هو بعد الدلالة على أعمال تعظم التكذيب بما تدعو إليه الأدلة.