وقوله: (بل لعنهم الله بكفرهم) رد الله سبحانه عليهم قولهم أي: ليس ذلك كما زعموا، لكن الله سبحانه قد أقصاهم وأبعدهم من رحمته، وطردهم عنها بجحودهم به وبرسله. وقيل: معنى (لعنهم) طبع على قلوبهم على سبيل المجازاة لهم بكفرهم. وقوله: (فقليلا ما يؤمنون) معناه: إن هؤلاء الذين وصفهم قليلو الإيمان بما أنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم وإن كان معهم بعض الإيمان من التصديق بالله وبصفاته، وغير ذلك مما كان فرضا عليهم، وذلك قليل بالإضافة إلى ما جحدوه من التصديق بنبوة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم وبما جاء به.
والذي يليق بمذهبنا أن يكون المراد به لا إيمان لهم أصلا، وإنما وصفهم بالقليل، كما يقال: قل ما رأيت هذا قط أي: ما رأيت هذا قط. وإن جعلت قليلا نصبا على الحال أي: يؤمنون قليلا، فمعناه لا يؤمن به (1) إلا نفر قليل، كعبد الله بن سلام وأصحابه. وفي هذه الآية رد على المجبرة لأن هؤلاء اليهود قالوا مثل ما يقولونه من أن على قلوبهم ما يمنع من الإيمان، ويحول بينها وبينه، فكذبهم الله تعالى في ذلك بأن لعنهم وذمهم، ولو كانوا صادقين (2) لما استحقوا اللعن والطرد، ولكان الله سبحانه قد كلفهم ما لا يطيقونه.
(ولما جاءهم كتب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين (89)).
الاعراب: (مصدق): رفع لأنه صفة لكتاب، ولو نصب على الحال لكان جائزا، لكنه لم يقرأ به في المشهور. وقيل: ضم على الغاية، وقد ذكرنا الوجه فيه فيما تقدم من قوله: (قالوا هذا الذي رزقنا من قبل) (3). وأما جواب لما في قوله (ولما جاءهم كتاب من عند الله) فعند الزجاج والأخفش محذوف، لأن معناه معروف يدل عليه قوله: (فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به) كما حذف جواب (لو) من نحو قوله: (ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى) وتقديره: ولو أن قرآنا سوى هذا القرآن، سيرت به الجبال، لسيرت بهذا القرآن. وقيل: إن قوله (كفروا) جواب