(أولئك يلعنهم الله) أي: يبعدهم من رحمته بإيجاب العقوبة، لأنه لا يجوز لعن من لا يستحق العقوبة. (ويلعنهم اللاعنون) قيل: للملائكة والمؤمنون، عن قتادة والربيع وهو الصحيح لقوله سبحانه: (عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين). وقيل: دواب الأرض وهوامها، تقول: منعنا القطر بمعاصي بني آدم، عن مجاهد وعكرمة. وقيل: كل شئ سوى الثقلين الجن والإنس، عن ابن عباس.
وقيل: إذا تلاعن الرجلان، رجعت اللعنة على المستحق لها، فإن لم يستحقها واحد منهما، رجعت على اليهود الذين كتموا ما أنزل الله، عن ابن مسعود.
فإن قيل: كيف يصح ذلك على قول من قال المراد باللاعنين البهائم، وهذا الجمع لا يكون إلا للعقلاء؟ قيل.: لما أضيف إليها فعل ما يعقل، عوملت معاملة من يعقل، كقوله سبحانه (والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين)، وإنما أضيف اللعن إلى من لا يعقل، لأن الله يلهمهم اللعن عليهم، لما في ذلك من الزجر عن المعاصي، لأن الناس إذا علموا أنهم إذا عملوا هذه المعاصي استحقوا اللعن حتى إنه يلعنهم الدواب والهوام، كان لهم في ذلك أبلغ الزجر.
وقيل: إنما يكون ذلك في الآخرة، يكمل الله عقولها فتلعنهم. وفي هذه الآية دلالة على أن كتمان الحق مع الحاجة إلى إظهاره، من أعظم الكبائر. وأن من كتم شيئا من علوم الدين، وفعل مثل فعلهم، فهو مثلهم في عظم الجرم، ويلزمه كما لزمهم الوعيد. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: " من سئل عن علم يعلمه فكتمه، ألجم يوم القيامة بلجام من نار ". وفيها أيضا دلالة. على وجوب الدعاء إلى التوحيد والعدل، لأن في كتاب الله تعالى ما يدل عليهما، تأكيدا لما في العقول من الأدلة.
(إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم (160)).
اللغة: التوبة: هي الندم الذي يقع موقع التنصل (1) من الشئ، وذلك بالتحسر على مواقعته والعزم على ترك معاودته إن أمكنت المعاودة. واعتبر قوم ترك المعاودة على مثله في القبح، وهذا أقوى لأن الأمة أجمعت على سقوط