يجوز فلنذكر أقسام الهداية التي هي ضده: إعلم أن الهداية في القرآن تقع على وجوه أحدها: أن تكون بمعنى الدلالة والإرشاد، يقال: هداه الطريق، وللطريق، وإلى الطريق: إذا دله عليه، وهذا الوجه عام لجميع المكلفين، فإن الله تعالى هدى كل مكلف إلى الحق، بأن دله عليه، وأرشده إليه، لأنه كلفه الوصول إليه، فلو لم يدله عليه، لكان قد كلفه بما لا يطيق. ويدل عليه قوله تعالى: (ولقد جاءهم من ربهم الهدى)، وقوله: (إنا هديناه السبيل)، وقوله: (أنزل فيه القرآن هدى للناس)، وقوله: (وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى)، وقوله: (وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم)، وقوله: (وهديناه النجدين)، وما أشبه ذلك من الآيات.
وثانيها: أن يكون بمعنى زيادة الألطاف التي بها يثبت على الهدى، ومنه قوله تعالى (والذين اهتدوا زادهم هدى) أي: شرح صدورهم، وثبتها وثالثها: أن يكون بمعنى الإثابة، ومنه قوله تعالى: (يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم)، وقوله: (والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم سيهديهم ويصلح بالهم) والهداية التي تكون بعد قتلهم: هي إثابتهم لا محالة، لأنه ليس بعد الموت تكليف ورابعها: الحكم بالهداية، كقوله تعالى: (ومن يهد الله فهو المهتد). وهذه الوجوه الثلاثة خاصة بالمؤمنين دون غيرهم، لأنه تعالى إنما يثيب من يستحق الإثابة، وهم المؤمنون، ويزيدهم بإيمانهم، وطاعاتهم ألطافا، ويحكم لهم بالهداية لذلك أيضا وخامسها: أن تكون الهداية بمعنى جعل الانسان مهتديا، بأن يخلق الهداية فيه، كما يجعل الشئ متحركا بخلق الحركة فيه. والله تعالى يفعل العلوم الضرورية في القلوب، فذلك هداية منه تعالى. وهذا الوجه أيضا عام لجميع العقلاء كالوجه الأول.
فأما الهداية التي كلف الله تعالى العباد فعلها كالإيمان به، وبأنبيائه، وغير ذلك، فإنها من فعل العباد، ولذلك يستحقون عليها المدح والثواب، وإن كان الله سبحانه قد أنعم عليهم بدلالتهم على ذلك، وإرشادهم إليه، ودعائهم إلى فعله، وتكليفهم إياه، وأمرهم به، فهو من هذا الوجه نعمة منه سبحانه عليهم، ومنة منه واصلة إليهم، وفضل منه وإحسان لديهم، فهو سبحانه مشكور على ذلك، محمود إذ فعل بتمكينه، وألطافه، وضروب تسهيلاته، ومعوناته.
(الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن