لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير) وهؤلاء هم اليهود بدلالة قوله تعالى: (ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين).
وأراد ب (الضالين): النصارى بدلالة قوله تعالى: (ولا تتبعوا أهواء قوم قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل). وقال الحسن البصري: إن الله تعالى لم يبرئ اليهود من الضلالة بإضافة الغضب إلى اليهود، بل كل واحدة من الطائفتين مغضوب عليهم، وهم ضالون، إلا أن الله تعالى يخص كل فريق بسمة يعرف بها، ويميز بينه وبين غيره بها، وإن كانوا مشتركين في صفات كثيرة. وقيل: المراد ب (المغضوب عليهم)، و (الضالين) جميع الكفار، وإنما ذكروا بالصفتين لاختلاف (1) الفائدتين. واختار الإمام عبد القاهر الجرجاني قولا آخر قال: إن حق اللفظ فيه أن يكون خرج مخرج الجنس، كما تقول: نعوذ بالله أن يكون حالنا حال المغضوب عليهم، فإنك لا تقصد به قوما بأعيانهم، ولكنك تريد ما تريده بقولك إذا قلت: اللهم اجعلني ممن أنعمت عليهم، ولا تجعلني ممن غضبت عليهم، فلا تريد أن ههنا قوما بأعيانهم قد اختصوا بهذه الصفة التي هي كونهم منعما عليهم، وليس يخفى على من عرف الكلام أن العقلاء يقولون: اجعلني ممن تديم له النعمة، وهم يريدون أن يقولوا أدم علي النعمة. ولا يشك عاقل إذا نظر لقول عنترة:
ولقد نزلت، فلا تظني غيره * مني بمنزلة المحب المكرم إنه لم يرد أن يشبهها بإنسان هو محب مكرم عنده، أو عند غيره، ولكنه أراد أن يقول إنك محبة مكرمة عندي. وأما الغضب من الله تعالى: فهو إرادته إنزال العقاب المستحق بهم، ولعنهم، وبراءته منهم. وأصل الغضب: الشدة، ومنه الغضبة:
وهي الصخرة الصلبة الشديدة، المركبة في الجبل. والغضوب: الحية الخبيثة، والناقة العبوس. وأصل الضلال: الهلاك، ومنه قوله: (أإذا ضللنا في الأرض) أي: هلكنا، ومنه قوله: (وأضل أعمالهم) أي: أهلكها. والضلال في الدين:
الذهاب عن الحق، وإنما لم يقل الذين أنعمت عليهم غير الذين غضبت عليهم، مراعاة للأدب في الخطاب، واختيارا لحسن اللفظ المستطاب. وفي تفسير العياشي، رحمه الله، روى محمد بن مسلم، عن أبي عبد الله عليه السلام، قال: سألته عن قوله تعالى: (ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم) قال: فاتحة الكتاب