المعنى: لما وصف المتقين بهذه الصفات، بين ما لهم عنده تعالى فقال: (أولئك) إشارة إلى الموصوفين بجميع الصفات المتقدمة، وهم جملة المؤمنين (على هدى من ربهم) أي: من دين ربهم. وقيل: على دلالة وبيان من ربهم، وإنما قال من ربهم، لأن كل خير وهدى فمن الله تعالى، إما لأنه فعله، وإما لأنه عرض له بالدلالة عليه، والدعاء إليه، والإثابة على فعله.
وعلى هذا يجوز أن يقال الإيمان هداية منه تعالى، وإن كان من فعل العبد، ثم كرر تفخيما فقال: (وأولئك هم المفلحون) أي: الظافرون بالبغية والباقون في الجنة.
النزول: قال مجاهد: أربع آيات من أول السورة نزلت في المؤمنين، وآيتان بعدها نزلت في الكافرين، وثلاث عشرة آية بعدها نزلت في المنافقين.
(إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون (6)).
القراءة: قوله تعالى: (أنذرتهم) فيه ثلاث قراءات: قرأ عاصم وحمزة والكسائي، إذا حقق بهمزتين. وقرأ أهل الحجاز وأبو عمر بالهمزة والمد وتليين الهمزة الثانية. والباقون يجعلونها بين بين. وكذلك قراءة الكسائي إذا خففت.
وأبو عمرو أطول مدا من ابن كثير. واختلف في المد عن نافع. وقرأ ابن عامر بألف بين همزتين. ويجوز في العربية ثلاثة أوجه غيرها (أأنذرتهم): بتحقيق الهمزة الأولى، وتخفيف الثانية بجعلها بين بين (وأنذرتهم): بهمزة واحدة و (عليهم أنذرتهم) على إلقاء حركة الهمزة على الميم، نحو (قد أفلح) فيما روي عن نافع.
الحجة: أما وجه الهمزتين فهو أنه الأصل، لأن الأولى همزة الاستفهام، والثانية همزة أفعل. وأما إدخال الألف بين الهمزتين: فمن قرأه أراد أن يفصل بين الهمزتين استثقالا لاجتماع المثلين، كما فصل بين النونين في نحو اضربنان استثقالا لاجتماع النونات ومنه قول ذي الرمة:
فيا ظبية الوعساء بين جلاجل * وبين النقاء أنت أم أم سالم