ولكنه يقع مبتدأ في الكلام ولا يبتدأ بساكن، فاختير له الفتح، لأنه أخف الحركات، تقول: رأيت زيدا وعمرا. قالوا: ومن عمرا - مفتوحة - وكذلك الفاء من فعمرا إلا أنهم كسروها، لأنهم أرادوا أن يفرقوا بين لام الملك ولام التوكيد إذا قلت إن المال لهذا أي: في ملكه، وإن المال لهذا أي: هو هو، وإذا أدخلوا هذه اللام على مضمر ردوها إلى أصلها، وهو الفتح، قالوا: لك وله، لأن اللبس قد ارتفع، وذلك لأن ضمير الجر مخالف لضمير الرفع، إذا قلت: إن هذا لك، وإن هذا لأنت، إلا أنهم كسروها مع ضمير المتكلم نحو لي، لأن هذه الياء لا يكون ما قبلها إلا مكسورا نحو: غلامي وفرسي، وهذا كله قول سيبويه، وجميع النحويين المحققين.
وليس من الحروف المبتدأ بها مما هو على حرف واحد حرف مكسور، إلا الباء وحدها، وقد مضى القول فيه. وأما لام الجزم في ليفعل، فإنما كسرت ليفرق بينها وبين لام التوكيد، نحو ليفعل فاعلم. و (رب العالمين): مجرور على الصفة، والعامل في الصفة عند أبي الحسن الأخفش كونه صفة، فذلك الذي يرفعه وينصبه ويجره، وهو عامل معنوي، كما أن المبتدأ إنما رفعه الابتداء، وهو معنى عمل فيه.
واستدل على أن الصفة لا يعمل فيه ما يعمل في الموصوف بأنك تجد في الصفات ما يخالف الموصوف في إعرابه. نحو: أيا زيد العاقل، لأن المنادى مبني، والعاقل الذي هو صفته معرب. ودليل ثان: وهو أن في هذه التوابع ما يعرب بإعراب ما يتبعه، ولا يصح أن يعمل فيه ما يعمل في موصوفه، وذلك نحو: أجمع وجمع وجمعاء. ولما صح وجوب هذا فيها، دل على أن الذي يعمل في الموصوف غير عامل في الصفة لاجتماعهما في أنهما تابعان.
وقال غيره من النحويين: العامل في الموصوف هو العامل في الصفة، ومن نصب (رب العالمين) فإنما ينصبه على المدح والثناء، كأنه لما قال الحمد لله، استدل بهذا اللفظ على أنه ذاكر لله، فكأنه قال اذكر رب العالمين. فعلى هذا لو قرئ في غير القرآن رب العالمين مرفوعا على المدح أيضا لكان جائزا، على معنى هو رب العالمين. قال الشاعر (1):
لا يبعدن قومي الذين هم * سم العداة، وآفة الجزر