أكفرا بعد رد الموت عني، وبعد عطائك المائة الرتاعا أي: بعد إعطائك، وقال الآخر:
فإن كان هذا البخل منك سجية * لقد كنت في طولي رجائك أشعبا أراد في إطالتي رجائك فعلى هذا يكون تقدير الكلام ابتداء قراءتي بتسمية الله، أو أقرأ مبتدئا بتسمية الله. وهذا القول أولى بالصواب، لأنا إنما أمرنا بأن نفتتح أمورنا بتسمية الله، لا بالخبر عن كبريائه وعظمته، كما أمرنا بالتسمية على الأكل والشرب والذبائح، ألا ترى أن الذابح لو قال: بالله، ولم يقل باسم الله، لكان مخالفا لما امر به. ومعنى الله والإله: إنه الذي تحق له العبادة، وإنما تحق له العبادة لأنه قادر على خلق الأجسام وإحيائها، والإنعام عليها بما يستحق به العبادة، وهو تعالى إله للحيوان والجماد، لأنه قادر على أن ينعم على كل منهما بما معه يستحق العبادة.
فأما من قال: معنى الإله المستحق للعبادة، يلزمه أن لا يكون إلها في الأزل، لأنه لم يفعل الانعام الذي يستحق به العبادة وهذا خطأ وإنما قدم (الرحمن) على (الرحيم)، لأن الرحمن بمنزلة اسم العلم من حيث لا يوصف به إلا الله، فوجب لذلك تقديمه بخلاف الرحيم، لأنه يطلق عليه وعلى غيره. وروى أبو سعيد الخدري، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: إن عيسى بن مريم قال: الرحمن رحمن الدنيا، والرحيم رحيم الآخرة. وعن بعض التابعين قال: الرحمن بجميع الخلق، والرحيم بالمؤمنين خاصة. ووجه عموم الرحمن بجميع الخلق مؤمنهم وكافرهم، وبرهم وفاجرهم، هو إنشاؤه إياهم، وخلقهم أحياء قادرين، ورزقه إياهم. ووجه خصوص الرحيم بالمؤمنين، هو ما فعله بهم في الدنيا من التوفيق وفي الآخرة من الجنة والاكرام، وغفران الذنوب والآثام، والى هذا المعنى يؤول ما روي عن الصادق عليه السلام أنه قال:
الرحمن اسم خاص بصفة عامة، والرحيم اسم عام بصفة خاصة. وعن عكرمة قال:
الرحمن برحمة واحدة، والرحيم بمائة رحمة. وهذا المعنى قد اقتبسه من قول الرسول: إن لله عز وجل مائة رحمة، وإنه أنزل منها واحدة إلى الأرض، فقسمها بين خلقه بها يتعاطفون، ويتراحمون، وأخر تسعا وتسعين لنفسه، يرحم بها عباده يوم القيامة. وروي أن الله قابض هذه إلى تلك، فيكملها مائة، يرحم بها عباده يوم القيامة.
(الحمد لله رب العالمين (2)).