وفسدت الملكات اللسانية من العرب، أصبح البحث عن ما يرجع إلى اللسان من بيان اللغة والإعراب والبلاغة، في تأدية المراد، وما أشبه، جزءا من علم التفسير، فكان هذا قسما. والقسم الآخر ما كان مستندا إلى الآثار المنقولة عن السلف، كمعرفة الناسخ والمنسوخ، وأسباب النزول، ومقاصد الآي والقراءات، وقصص الأمم، وأخبار الملاحم. وهذا عزل الرأي عنه، وتوقف البحث فيه على ما يرد من الأحاديث المستندة إلى النبي المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، وأمنائه الكرام، وإن كان يمكن في القصص والمواعظ، الأخذ بظاهر اللفظ، دون إعمال الفكر، وملكة الاستنباط.
ثم إن من التفسير ما يجوز للراسخ في العلم أن يأخذه بطريق النظر والاستدلال، ومنه ما لا يجوز مما يتوقف البحث فيه على الآثار النبوية، فليس للفكر والاستنباط عليه سبيل، لأنه وارد في موارد خاصة لا يعرفها إلا من خبرها، ليس للرأي فيها مجال البتة، ومنه ما لا يتوقف القول فيه على الآثار النبوية، وهو ما كان مبناه على الأقيسة والقواعد العلمية، كفنون البلاغة، وضروب المواعظ والحكم، ففي هذا مجال لقوة الاستدلال والاستنباط، ومنه استنباط الأحكام الشرعية عما يصلح أن يكون دليلا لها في الكتاب المبين. وأما الآيات المتشابهات فقد اختلف في جواز إعمال النظر فيها، ورجح المحققون أن يرد الحكم فيها إلى الله ورسوله.
وأما ما ورد من النهي عن التفسير بالرأي فقد جعله في (كشف الظنون) في أنواع خمسة أولها: التفسير من غير حصول العلوم التي يجوز معها التفسير وثانيها: تفسير المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله تعالى. وثالثها: التفسير المقرر للمذاهب الفاسدة، بأن يجعل التفسير تابعا للمذهب، فيرده إليه بأي طريق كان، وإن كان ضعيفا.
ورابعها: التفسير بأن مراد الله كذا على القطع من غير دليل. وخامسها: التفسير بالاستحسان والهوى المنهي عنه.
وقد قسم ابن عباس (رض) وجوه التفسير إلى أربعة أقسام: تفسير لا يعذر أحد بجهالته، وتفسير تعرفه العرب بكلامها، وتفسير يعلمه العلماء، وتفسير لا يعلمه إلا الله. فأما الذي لا يعذر أحد بجهالته فهو ما يلزم به الكافة من الشرائع التي في القرآن، وجل دلائل التوحيد. وأما الذي تعرفه العرب بلسانها فهو حقائق اللغة، وموضوع كلامهم. وأما الذي يعلمه العلماء فهو تأويل المتشابه، وفروع الأحكام.