وإن في القرآن آيات محكمات هن أم الكتاب، وأخر متشابهات، وفيه ناسخ ومنسوخ، ومجمل ومبين، وعام وخاص، وأحكام وفرائض وسنن، وقصص ومواعظ، وحكم وأمثال، وما أشبه ذلك. فما كان راجعا إلى الأخبار والمواعظ، فاللفظ دال بظاهره على معناه، وقد كان أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم في عصره، يأخذون منه بما يفهمون، يوم كانت ملكة اللسان عند العرب لا يرجع فيها إلى كتاب أو نقل، بل كانت فطرية حتى إذا فسدت اللغة بمخالطة الأعاجم، وبعد زمن العرب عن أهل اللسان المخاطبين بالقرآن، تنوسي ذلك، واحتيج في مثله إلى علم التفسير.
وما كان راجعا إلى الفرائض والسنن، والناسخ والمنسوخ، وأمثال ذلك، فلا بد فيه من الوقف حتى زمن نزوله، ليعلم النص من قبل من شرع الله هذا الدين على لسانه، وبذلك كانت السنة النبوية شارحة لمعاني الكتاب، متممة لما فرضه الله، أو ندب إليه، وعلم التفسير كافلا بإيضاح ذلك.
وقد تداوله الصحابة في عصره صلى الله عليه وآله وسلم حتى دونت العلوم، وبوبت أبوابها، وجعل كل علم أصلا برأسه بعد زمن التابعين. وكان دخل في الاسلام جماعة من علماء أهل الكتاب مثل عبد الله بن سلام، وكعب الأحبار، ووهب بن منبه، وأمثالهم، وكثير من مشركي العرب الذين لقنوا علومهم عن علماء اليهود، وهؤلاء لم تتغير معارفهم فيما يرجع إلى الأخبار والمواعظ، التي لم يتوقف القول فيها على نص النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فكانوا يفصلون مجمل القصص، وأخبار الملاحم، وأمثال ذلك، بعد عصر النبي، على ما هو مغروس في أذهانهم من علومهم الإسرائيلية، وكانت العامة يومئذ تنعكف عليهم لاستماع أخبارهم، والنفس مولعة بتعلم ما تجهله، فكثرت المرويات الإسرائيلية في كتب التفاسير، واختلط الغث بالسمين، ولم يمحصها العلماء بنقدهم، لما هو معروف بينهم من التسامح في أدلة السنن، وما جرى مجراها، ولانصراف همهم إلى نقد أدلة الأحكام التكليفية، وتمحيصها، اللهم إلا قليلا من المحققين، لم يغفلوا هذا الأمر، ولكنهم لم تكن قوتهم هذه لتصد تياره الجارف، فلم يؤثروا الأثر المطلوب.
فاتسعت بذلك دائرة علم التفسير، وازدادت في الناس الحاجة إلى الوقوف على المصفى المنقى من الأقوال فيه.
اختلاف أذواق المفسرين: قد يتصدى للأمر من لا يحسنه، فيعجز عن