لا يخرج عن مجموعهم، وما الحق كله إلا عند من بقي على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، ولا بد له من الخطأ في اجتهاداته أيضا في المسائل المعفو عن الخطأ فيها، لا في المهمات. وقل لي: من ذا الذي وقف على ما وقف، وقنع بما جاء عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ولم يتمذهب ويؤثر الأسلاف على الكتاب والسنة ويترك هذا الداء الدوى، ويتمسك بالإنصاف فيما يأتي ويذر؟ لا والله ما أعرف أحدا في هذه الكتب التي طبقت البسيطة إلا وقد تخبط وخلط وتعسف لمذهبه وما أنصف، ورد كتاب الله تعالى إلى عقيدته وحرف! وبعد أن تكلم عن أحوال المتكلمين، أخذ يبين أحوال المحدثين فقال:
وهؤلاء المحدثون الذين يزعمون الثبوت على السنة وينهون عن الكلام (1) قد سرت فيهم المفسدة أكثر منها في غيرهم، لأنهم قاعدون في طريق الشريعة، والمفسدة والحرب والفتك، والحيات والعقارب والسموم والسباع في الجادة أعظم ضررا منها في ثنيات الطريق، مع أن داءهم جاء من الخوض في الكلام، وصاروا أشد عصبية من المتكلمين لأن المتكلمين بنو أمرهم على التفتيش، وأن لا يلام الطالب على المباحثة وإيراد الأسئلة واختراع التعليلات، بل يعدون ذلك ظرافة وكمالا، فربما انكشف للمتأخر مع تعاقب الأنظار تقارب كلام الفريقين ونحو ذلك، كما انكشف لاتباع الأشعري بطلان الجبر، ثم تشبثوا بالكسب، ثم تبين عواره، فصاروا إلى مذهب المعتزلة من حيث المعنى كما مضى،، وليس ثبوت الاختيار يختص بالمعتزلة حتى ينفر منه، إنما هو دين الله وحجته. فمن حقق من المتأخرين هون ما عظم سلفه ولانت عريكته، وأما المحدثون فإنما أخذوا شيئا بأول رؤية ثم لم ينقروا، كأن ذلك بدعة وصدقوا، ولكنه بدعة من أوله إلى آخره، فما لهم دخلوا فيه! كأن دخولهم من غير نية، لكن دس لهم الشيطان: أنتم أهل السنة فمن يذب عنها إن تركتم هؤلاء؟ فلا هم اقتصروا على ما هم عليه، ولا هم بلغوا إلى مقاصد القوم ليتمكنوا من الرد عليهم!.
هذا الإمام أحمد حفظه للسنة وتقدمه وتجريده نفسه لله سبحانه وتعالى لا يجهل، لكنه لما تكلم في مسألة خلق القرآن وأبتلي بسببها، جعلها عديل التوحيد أو زاد!