مات البخاري قبل أن يبيض كتابه:
يظهر أن البخاري مات قبل أن يتم تبييض كتابه، فقد ذكر ابن حجر في مقدمة الفتح، أن أبا إسحاق إبراهيم بن أحمد المستملي قال: انتسخت كتاب البخاري من أصله الذي كان عند صاحبه محمد بن يوسف الفربري، فرأيت فيه أشياء لم تتم، وأشياء مبيضة، منها تراجم لم يثبت بعدها شيئا، ومنها أحاديث لم يترجم لها، فأضفنا بعض ذلك إلى بعض. قال أبو الوليد الباجي: ومما يدل على صحة هذا القول رواية أبي إسحاق المستملي، ورواية أبي محمد السرخسي ورواية أبي الهيثم الكشميهي ورواية أبى زيد المروزي مختلفة بالتقديم والتأخير مع أنهم انتسخوا من أصل واحد! وإنما ذلك بحسب ما قدر كل واحد منهم فيما كان في طرة أو رقعة مضافة أنه من موضع ما، فأضافه إليه، ويبين ذلك أنك تجد ترجمتين وأكثر من ذلك متصلة ليس بينها أحاديث (1).
وقال (2) في الجزء السابع من فتح الباري (3):
لم أقف في شئ من نسخ البخاري على ترجمة " عبد الرحمن بن عوف " ولا " لسعيد بن زيد - " - وهما من العشرة، وإن كان قد أفرد ذكر إسلام سعيد ابن زيد بترجمة في أوائل السيرة النبوية، وأظن أن ذلك من تصرف الناقلين لكتاب البخاري، كما تقدم مرارا أنه ترك الكتاب مسودة، فإن أسماء من ذكرهم هنا لم يقع فيهم مراعاة الأفضلية ولا السابقة ولا الأسنية - وهي جهات التقدم في الترتيب، فلما لم يراع واحدا منها دل ذلك على أنه كتب كل ترجمة على حدة فضم بعض النقلة بعضها إلى بعض حسبما اتفق.
والبخاري أول من ميز الصحيح - في نظره - من غيره، فاختار كتابه مما تبين له أنه صحيح - ذلك أن التدوين قبله كان يجمع - كما بينا - كل ما روى من غير تمييز بين صحيح وغير صحيح - كما ترى ذلك في مسند أحمد وغيره من المسانيد -