وفي رواياته ما فيها من مشكلات بقيت على وجه الدهر، وستبقى، فقد أفردنا له ترجمة خاصة أدينا فيها حق العلم وتحرينا وجه الحق فأوردنا فيها ما له وما عليه بغير أن نخشى أحدا في إظهار الحق، أو نتحرج من شئ في بيان العلم، ذلك بأن الحق أولى من أبي هريرة وأكبر من أبي هريرة.
جمع القرآن وتدوينه:
وقد رأينا قبل تفصيل القول في تدوين الحديث أن نوطئ بفذلكة صغيرة في تدوين القرآن أتينا فيها على خلاصة كاملة من أمر هذا التدوين حتى يتجلى للناس كيف كانوا يتحرون الدقة التامة والتثبت الفائق في جمع القرآن، وبذلك جاء كله " متواتر " يكفر من جحد شيئا منه. ولو أن الحديث قد دون في عصر النبي كما دون القرآن، واتخذ له من وسائل التحري والدقة مثل ما اتخذ للقرآن، لجاء كله " متواتر " كذلك ولما اختلف المسلمون فيه هذا الاختلاف الشديد الذي لم يستطع أحد - على مد العصور - تلافيه.
كتابة الحديث:
ومما كشف عنه البحث أن كتابة الحديث لم تقع إلا في القرن الثاني، أي بعد انتقال النبي إلى الرفيق الأعلى بأكثر من مائة سنة، ولم يكن ذلك بدافع من الرواة، وإنما كان بوازع من الولاة، إذ كانوا يتحرجون من كتابته خشية أن يقعوا فيما نهى النبي عنه - وقد كانت هذه الكتابة أول ما بدأت غير كاملة ثم تقلبت في أطوار مختلفة، إلى أن خرجت في صورتها الأخيرة حول منتصف القرن الثالث وأوائل القرن الرابع الهجري.
ولقد كان لتأخير كتابة الحديث ضرر كبير بيناه في موضعه من الكتاب.
نشأة علم الحديث:
ولما كان علم الحديث يتصل ببحثنا، فقد أتينا بإلمامة صالحة منه يهتدي بها من يريد معرفته. وتكلمنا عن كتب الحديث المشهورة لنبين حقيقتها وما استدرك عليها وقيل فيها، وألمعنا إلى أمر الجرح والتعديل واستطردنا من ذلك إلى " عدالة الصحابة "