العلم القطعي الثابت بالحس في مثل هذه المسألة وما في حكمها - لا مندوحة لنا عن أحد أمرين: إما الطعن في سند الحديث وإن صححوه - لأن رواية ما يخالف القطعي من علامات الوضع عند المحدثين أنفسهم، وأقرب تصوير للطعن فيما اشتهر رواته بالصدق والضبط أن يكون الصحابي أو التابعي منهم سمعه من مثل كعب الأحبار، ونحن نعلم أن أبا هريرة روى عن كعب الأحبار، وكان يصدقه ونرى الكثير من أحاديثه عنعنة لم يصرح بسماعها من النبي صلى الله عليه وسلم - ومن القطعي أنه لم يسمع الكثير منها من لسانه صلى الله عليه وسلم لتأخر إسلامه فمن القريب أن يكون سمع بعضها من كعب الأحبار. ومرسل الصحابي إنما يكون حجة إذا سمعه من صحابي مثله (1) ومثل هذا يقال في ابن عباس وغيره ممن روى عن كعب الأحبار وكان يصدقه - وإما تأويل الحديث بأنه مروي بالمعنى وأن بعض رواته لم يفهم المراد منه فعبر عما فهمه، كعدم فهم راوي هذا الحديث الذي ذكرنا على سبيل التمثيل - المراد من قوله صلى الله عليه وسلم: إن الشمس تكون ساجدة تحت العرش إلخ. فعبر عنه بما يدل على أنها تغيب عن الأرض كلها.. إلى أن قال: وقد أول الحديث بعض شراح الصحيحين ليوافق رأي المتقدمين من علماء الفلك فكان تأويلهم متكلف يرده ظاهر الحديث ولا سيما رواية مسلم المطولة.
ومن هذا القبيل حكاية بعض الرواة لكعب ووهب عن كتب بني إسرائيل، ولم يكن يحيى بن معين وأحمد وأبو حاتم وابنه وأمثالهم (2) يعرفون ما يصح من ذلك وما لا يصح لعدم اطلاعهم على تلك الكتب، وعدم ظهور دليل على كذب الرواة المتقنين للكذب، فيما يعزونه إليها، فإذا ظهر لمن بعدهم في العصر أو فيما قبله، أو فيما بعده ما لم يظهر لهم من كذب اثنين أو أكثر من هؤلاء الرواة فهل يكابر حسه ويكذب نفسه، ويصدقهم بلسانه كذبا ونفاقا؟ أو يكتم الحق عن المسلمين