لئلا يكون مخالفا لمن قبله فيما ظهر له ولم يظهر لهم! فلم ير المنتقد (1) الغيور على السنة أن الملاحدة الذين يتقى طعنهم في السنة بتعديل كعب ووهب يشككون المسلمين في الأصول والمسائل القطعية حتى في نصوص القرآن! ثم إننا نعيد القول ونؤكده بأن ظهور كذب كعب ووهب لنا لا يترتب عليه خسراننا لشئ من أصول ديننا ولا من فروعه، فالعمدة في الدين هو القرآن وسنن الرسول المتواترة وهي السنن العملية، كصفة الصلاة والمناسك مثلا، وبعض الأحاديث القولية التي أخذ بها جمهور السلف، وما عدا ذلك من أحاديث الآحاد التي هي غير قطعية الدلالة، فهي محل اجتهاد. وإننا نرى بعض الأئمة المجتهدين قد تركوا الأخذ بكثير من الأحاديث الصحيحة، حتى ما رواه الشيخان (البخاري ومسلم) منها. ولا يزال يتبعهم الملايين من الناس في تركها، ولا يعدهم سائر المسلمين ضالين عن دينهم.
وقد أورد المحقق ابن القيم أكثر من مائة شاهد من هذه الأحاديث الصحيحة التي خالفها الحنفية وغيرهم، وهم أكثر مسلمي هذا العصر.
فماذا تكون قيمة روايات هذا الإسرائيلي (كعب الأحبار) وهذا الفارسي (وهب بن منبه) وأكثرها خرافات إسرائيلية، شوهت كتب تفسير كتاب الله وغيرها من الكتب، وكانت شبها على الإسلام يحتج بها أعداؤه الملاحدة بأنه كغيره دين خرافات، وأوهام، وما كان منها غير خرافة فقد تكون الشبهة فيه أكبر، كالذي ذكره كعب من صفة النبي صلى الله عليه وسلم في التوراة (2) واعترف المنتقد بصحته عنه.. إلى أن قال: إن جرحنا لهما (كعب ووهب) إنما كان في شئ لم يكن يعرفه رجال الجرح والتعديل المتقدمون، وهو وجيه يتعين قبوله. وإن الروايات المعروفة صحتها عنهما كافية في إثبات كذبها.
وبعد هذا كله أقول: إذا ثبت بما حررناه كذب الرجلين بما ذكرا، فلا يبقى مجال للشك في أنهما كانا يغشان المسلمين، ويدخلان في كتبهم الدينية ورواياتهم ما يقتضي الطعن في دينهم، وحينئذ لا يبقى محل لاستغراب اشتراكهما في تلك الجمعيات اليهودية والمجوسية، التي كانت تكيد للإسلام والعرب (3).