بأنهم خير القرون! فهم جميعا لم يروا هذين الكتابين حتى كان يعلم رأيهم فيهما، ولا كيف تلقوهما!
ولنعد إلى العلماء الذين جاءوا بعد هذين الكتابين لنرى موقفهم منهما، وبماذا قابلوهما:
أما المتكلمون: فقد عرف من حالهم أنهم يردون كل حديث يخالف ما ذهبوا إليه، ولو كان من الأمور الظنية، فإذا أورد عليهم من ذلك حديث صحيح عند المحدثين أولوه إن وجدوا تأويله قريب المأخذ، أو ردوه مكتفين بقولهم: هذا من أخبار الآحاد وهي لا تفيد غير الظن، ولا يجوز البناء على الظن في المطالب الكلامية، ذلك بأن الأساس في علم الكلام هو دائما أن " الدلائل النقلية لا تفيد اليقين " (1)، فمن ذلك حديث: تحاجت الجنة والنار، فقالت النار: أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين. وقالت الجنة: ما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم!
قال الله تبارك وتعالى للجنة، أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي! وقال للنار:
إنما أنت عذاب أعذب بك من أشاء من عبادي ولكل واحدة منهما ملؤها!
فأما النار فلا تمتلئ حتى يضع رجله فتقول، قط، قط، قط، فهنالك تمتلئ ويزوى بعضها إلى بعض، ولا يظلم الله عز وجل من خلقه أحدا، وأما الجنة فإن الله عز وجل ينشئ لها خلقا ا ه. وهذا الحديث متفق عليه أخرجه البخاري ومسلم (عن أبي هريرة) عن النبي صلى الله عليه وسلم. وفي رواية أخرى عند البخاري - عن أبي هريرة - بلفظ: اختصمت الجنة والنار إلى ربهما - الحديث - وفيه أنه ينشئ للنار خلقا وفي رواية لمسلم " حتى يضع الله رجله " وذهب المحققون إلى أن الراوي أراد أن يذكر الجنة فذهل فسبق لسانه إلى النار.
فهذا الحديث ونظائره - وهي كثيرة - يبعد على المتكلم أن يقول بصحتها فضلا عن أن يجزم بذلك! وإذا ألجئ إلى القول بصحتها لم يأل جهدا في تأويلها، ولو على وجه لا يساعد اللفظ عليه بحيث يعلم السامع أن المتكلم لا يقول بجوازه في الباطن، وقد نشأت بسبب ذلك عداوة شديدة بين المتكلمين والمحدثين يعرفها من نظر