إنما كانوا يستخفون على عهد رسول الله!
وأنا نعزز هذا الفصل بكلمة للدكتور طه حسين في كتابه القيم (عثمان) أشار فيها إلى أمر الفتنة التي وقعت في عهد عثمان وكلام المؤرخين فيها.
إن الناس وقفوا من الأحداث أيام عثمان، ومن نصيب عثمان منها، مواقف متباينة أشد التباين، فقوم أراحوا أنفسهم جملة وقالوا إن أكثر هذه الأحداث مكذوب مصنوع لم يصح وقوعه، وإنما تكلفه المتكلفون، أراد بعضهم به الكيد للإسلام، ودفع بعضهم إليه بما كان من الخصومة العنيفة بين الأحزاب وهم من أجل ذلك يرفضون أكثر الأحداث ويرون فيما يقبلون منها أنها أمور ليست بذات خطر ذهب فيها الإمام مذهب الاجتهاد، فإن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر، وهو على كل حال لم يرد إلا الخير، ولم يكن يريد ولا يمكن أن يريد إلا الخير، وهم يرون مثل هذا الرأي فيما يقبلون من الروايات التي تتحدث ببعض ما كان بين عثمان وأصحاب النبي من الخصومة - أكثر هذه الروايات عندهم مكذوب مصنوع وقليل منها يقبل على ما مضى من التأويل - أي على أنه كان نتيجة الاجتهاد، ومن اجتهد فأصاب فله أجران ومن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد.
وأكثر الذين يذهبون هذا المذهب إنما يدفعون إليه، لأنهم يقدسون ذلك العصر من عصور الإسلام، ويكرهون أن يحملوا على أصحاب النبي ما يحمل عادة على الذين يستقبلون أمور الدنيا بما في نفوسهم من استعداد للمنافسة والاصطراع حول أعراض وأغراض لا تلائم قوما صحبوا رسول الله، وأبلوا في سبيل الله أحسن البلاء وأسسوا الدولة بما أنفقوا في ذلك من دمائهم وأموالهم وجهودهم فهم يخطئون ويصيبون، ولكنهم يجتهدون دائما، ويسرعون إلى الخير دائما، فلا يمكن أن يتورطوا في الكبائر، ولا أن يحدثوا إلا هذه الصغائر التي يغفرها الله للمحسنين من عباده!
وقليل من الذين يرون هذا الرأي، ويذهبون هذا المذهب يدفعون إلى ذلك بحكم الكسل والعقلي الذي يمنعهم من البحث والدرس والاستقصاء.
وقوم آخرون يريحون أنفسهم نوعا آخر من الإراحة، فيستبعدون أن تقع هذه الأحداث والفتن من أصحاب النبي ويرون أنها مؤامرات دبرها الكائدون للإسلام