- كعبد الله بن سبأ ومن لف لفه من أهل الكتاب، وغير أهل الكتاب. وواضح جدا أننا لا نستطيع أن نذهب هذا المذهب أو ذاك، فنحن لا نحب الكسل ولا نطمئن إلى الراحة، ولا نغلو في تقديس الناس إلى هذا الحد البعيد، ولا نرى في أصحاب النبي ما لم يكونوا يرون في أنفسهم، فهم كانوا يرون أنهم بشر فيتعرضون لما يتعرض له غيرهم من الخطايا والآثام، وهم تقاذفوا التهم الخطيرة، وكان منهم فريق تراموا بالكفر والفسوق، فقد روى أن عمار بن ياسر كان يكفر عثمان ويستحل دمه ويسميه نعثل، وروى أن ابن مسعود كان يستحل دم عثمان أيام كان في الكوفة وهو كان يخطب الناس فيقول: إن شر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار - يعرض في ذلك بعثمان وعامله الوليد. وروى أن عبد الرحمن بن عوف.. قال لبعض أصحابه في المرض الذي مات فيه:
عاجلوه - أي على - قبل أن يطغى ملكه.
والذين ناصروا عثمان من أصحاب النبي كانوا يرون أن خصومهم قد خرجوا على الدين وخالفوا عن أمره، وهم جميعا من أجل ذلك قد استحلوا أن يقاتل بعضهم بعضا، وقاتل بعضهم بعضا بالفعل يوم الجمل ويوم صفين - إلا ما كان من سعد وأصحابه القليلين. وإذا دفع أصحاب النبي أنفسهم إلى هذا الخلاف، وتراموا بالكبائر وقاتل بعضهم بعضا في سبيل الله، فما ينبغي أن يكون رأينا فيهم أحسن من رأيهم في أنفسهم، وما ينبغي أن نذهب مذهب الذين يكذبون أكثر الأخبار التي نقلت إلينا ما كان بينهم من فتنة واختلاف، فنحن إن فعلنا ذلك لم نزد عن أن نكذب التاريخ الإسلامي كله منذ بعث النبي، لأن الذين رووا أخبار هذه الفتن هم أنفسهم الذين رووا أخبار الفتح وأخبار المغازي وسيرة النبي والخلفاء، فما ينبغي أن نصدقهم حين يروون ما يروقنا، وأن نكذبهم حين يروون ما لا يعجبنا، وما ينبغي أن نصدق بعض التاريخ ونكذب بعضه الآخر، لا لشئ إلا لأن بعضه يرضينا وبعضه يؤذينا، وما ينبغي كذلك أن نصدق كل ما يروى، أو نكذب كل ما يروى، وإنما الرواة أنفسهم ناس من الناس يجوز عليه الخطأ والصواب ويجوز عليهم الصدق والكذب، والقدماء أنفسهم قد عرفوا ذلك وتهيئوا له ووضعوا قواعد التعديل والتجريح، والتصديق والتكذيب، وترجيح ما يمكن ترجيحه، وإسقاط