وقال الدكتور طه حسين في كلمة قيمة (1) قرظ فيها كتابنا " الأضواء " وهو يذكر ما بذله رجال الجرح والتعديل:
وقد فطن المحدثون القدماء لهذا كله 8 واجتهدوا ما استطاعوا في التماس الصحيح من الحديث وتنقيته من كذب الكذابين وتكلف المتكلفين. وكانت طريقتهم في هذا الاجتهاد إنما هي الدرس لحياة الرجال الذين نقلوا الحديث جيلا بعد جيل حتى تم تدوينه فكانوا يتتبعون كل واحد من هؤلاء الرجال ويتحققون من أنه كان نقي السيرة صادق الإيمان بالله ورسوله. شديد الحرص على الصدق في حديثه كله وفي حديثه عن النبي خاصة، وهو جهد محمود خصب بذله المتقنون من علماء الحديث وأخلصوا فيه ما وجدوا إلى الإخلاص سبيلا. ولكن هذا الجهد على شدته وخصبه لم يكن كافيا، فمن أعسر الأشياء وأشدها تعقيدا أن تتبع حياة الناس والبحث والفحص والتنقيب عن دقائقها، فمن الممكن أن تبحث وتنقب دون أن تصل إلى حقائق الناس ودقائق أسرارها، وما تضمر قلوبهم في أعماقها، وما يمعنون في الاستخفاء به من ألوان الضعف في نفوسهم، وفي سيرتهم أيضا.
ولم يكن بد إلى أن يضاف إلى هذا الجهد جهد آخر، وهو درس النص نفسه فقد يكون الرجل صادقا مأمونا في ظاهر أمره بحيث يقبل القضاة شهادته إذا شهد عندهم. ولكن الله وحده هو الذي اختص بعلم السرائر وما تخفيه القلوب، أو تستره الضمائر، وقد يكون الرجال الذين روى عنهم حديثه صادقين مأمونين مثله يقبل القضاة شهادتهم إن شهدوا عندهم. ولكن سرائرهم مدخولة تخفى دخائلها على الناس. فلا بد إذن من أن نتعمق نص الحديث الذي يرويه عن أمثاله من العدول لنرى مقدار موافقته للقرآن الذي لا يتطرق إليك الشك ولا يبلغه الريب من أي جهة من جهاته، لأنه لم يصل إلينا من طريق الرواة أفرادا أو جماعات، وإنما تناقلته أجيال الأمة الإسلامية مجمعة على نقله في صورته التي نعرفها.
وهذه الأجيال لم تنقله بالذاكرة وإنما تناقلته مكتوبا، كتب في أيام النبي نفسه وجمع في خلافة أبي بكر، وسجل في المصاحف وأرسل إلى الأقاليم في خلافة