ذلك بأن عدالة جميع الصحابة تستلزم ولا ريب الثقة بما يروون، وما رووه قد حملته كتب الحديث بما فيه من غثاء - وهذا الغثاء هو مبعث الضرر وأصل الداء.
ولو نحن ذهبنا نحصي الأضرار التي أصابت المسلمين من وراء ذلك لطال بنا سبيل القول - فنكتفي ببيان ضررين فحسب:
أولهما: ذلك الخلاف الشديد الذي ضرب في مفاصل الأئمة وأعرق بين المسلمين من لدن عهد عثمان إلى اليوم وما بعد اليوم! فمزق صفوف المسلمين وجعلهم فرقا متباينة، ونحلا متشاكسة، ومذاهب مختلفة، إن في العقائد، أو في العبادات، أو في المعاملات، وعلى كثرة الأساة الذين عملوا على جمع شمل المسلمين في مئات السنين - لكي يعتصموا بحبل الله جميعا ولا يتفرقوا، فإن سوس الخلاف لا يزال، ولن يزال ينخر في عظم الأمة الإسلامية، وهذا أمر مشهور غير منكور.
وثانيهما: ما يوجه كل يوم إلى الإسلام من طعنات دامية بسبب ما يوجد في كتب الحديث من روايات تحمل الخرافات والجهالات، وغير ذلك مما لا يقبله عقل صريح، ولا يؤيده علم صحيح، حتى أطلقوا عليه اسم " دين الخرافات والأوهام " وأنه لا يصلح لعصور العلم والعمران - ولا خلاف بأن الذين رووا هذه الأحاديث المشكلة إنما هم الصحابة، ثم تلقاها الرواة عنهم ودونها رجال الحديث في كتبهم.
فإذا نحن رفعنا صوتنا وقلنا: إن البلاء الذي يصيب الإسلام إنما يرجع إلى أمرين: عدالة الصحابة المطلقة، والثقة العمياء بكتب الحديث التي تجمع بين الغث والسمين، فإننا لا نبعد ولا نتجاوز الحقيقة.
ولو نحن سلكنا السبيل القويم، والتزمنا الحجة الواضحة، واتبعنا منطق العقل واتخذنا المنهج الذي اتخذه علماء العصر في دراستهم للأمور غير متأثرين بأي أثر تقليدي أو عاطفي سواء في دراستنا لشخصيات الصحابة أو فيما رووه، لبدا وجه الحق واضحا، ولظهر نور الإسلام ساطعا، ولاعتصم المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها بحبل الله متفقين غير متفرقين.