هذا ما أردنا استعراضه قبل الأخذ في نقل أقوال العلماء الذين جعلونا نقف أمامها هذه الوقفة.
قال ابن الصلاح:
ومتى قالوا: هذا حديث صحيح فمعناه أنه اتصل سنده مع سائر الأصناف المذكورة، وليس من شرطه، أن يكون مقطوعا به في نفس الأمر.
وأكد ذلك العراقي في شرح ألفيته فقال:
وحيث قال أهل الحديث، هذا حديث صحيح فمرادهم - فيما ظهر لنا عملا بظاهر الإسناد - لا أنه مقطوع بصحته في نفس الأمر، لجواز الخطأ والنسيان على الثقة.
وقال السمعاني في القواطع: إن الصحيح لا يعرف برواية الثقات فقط وإنما يعرف بالفهم والمعرفة وكثرة السماع والمذاكرة.
وقال الحاكم: كم من حديث ليس في إسناده إلا ثقة ثبت وهو معلول واه.
وقال عبد الرحمن بن مهدي (1): معرفة الحديث إلهام! فلو قلت للعالم بعلل الحديث، من أين هذا؟ لم يكن له حجة.
هذا بعض ما قاله العلماء في الحديث الذي جعلوه صحيحا فترى ماذا يكون الشأن فيما نزل عن درجة الصحيح عندهم من أنواع الحديث التي بينوها في كتبهم؟
وماذا يصنع بعد ذلك كله من يريد أن يعرف الحديث الصحيح الذي يطمئن به القلب وتسكن إليه النفس؟ وأي سبيل يسلكه لكي يهتدي إلى تمييزه من غيره وهو يجد تلقاءه هذه الأقوال وغيرها مما يوجب الحيرة ويدعو إلى الشك والاسترابة! وأي حديث يأخذ وأيها يدع؟ وبخاصة بعد أن يطلع على ما نقله ابن الصلاح في فتاويه عن الأئمة فيما ذكروه من أصناف الحديث إذ قال:
قالت الأئمة: في الحديث (1) حديث إسناده صحيح ومتنه غير صحيح.
(2) أو إسناده غير صحيح ومتنه صحيح.
(3) أو إسناده مجهول ومتنه مجهول.
(4) أو إسناده صحيح ومتنه صحيح.
(5) أو إسناده ضعيف ومتنه ضعيف!!