إليها، وأتزيد من الشواهد التي لا ينال الضعف منها، وقد يتكرر بعض هذه الأدلة بين الأبواب المناسبة تقتضيها أو سبب يدعو إليها، أو لأن الكلام معقود بها وسياق المعنى لا يتم بدونها، وما يتقدمها أو يليها من الكلام مفتقر إليها. وبرغمي أن أنصرف في هذا الكتاب عن النقد والتحليل، وهي الأصول التي يقوم التأليف العلمي الصحيح في هذا العصر عليها.
وقد اضطررت إلى ذلك لأن قومنا حديثو عهد بمثل هذا البحث على أني أرجو أن يكون قد انقضى ذلك الزمن الذي لا يشيع فيه إلا النفاق العلمي والرياء الديني، ولا ينشر فيه إلا ما يروج بين الدهماء ويرضى عنه من يزعمون للناس أنهم من المحدثين أو العلماء، وأن يكون قد أظلنا عهد لا يثبت فيه غير القول الحق ولا يستقر به إلا العمل الصالح، ولا يقبل فيه إلا العلم النافع الذي يمكث في الأرض.
وأرجو كذلك - وقد حسرت النقاب عن وجه الحق في أمر الحديث المحمدي الذي جعلوه الأصل الثاني من الأدلة الشرعية، بعد السنة العملية، واتخذوا منه، أسانيد لتأييد الفرق الإسلامية، ودلائل على الخرافات والأوهام، وقالوا بزعمهم إنها دينية، وكشفت القناع عما خفي على الناس من أمره، وعرضت لهم صورة صادقة من تاريخه - أرجو أن أكون قد وفقت إلى إصابة الغرض الأول الذي بذلت كل ما بذلت من أجله، وأنفقت من عمر وتعب في سبيله، وهو الدفاع عن السنة القولية وحياطتها مما يشوبها، وأن يصان كلام الرسول من أن يتدسس إليه شئ من افتراء الكاذبين أو ينال منه كيد المنافقين وأعداء الدين، وأن تنزه ذاته الكريمة من أن يعزى إليها إلا ما يتفق وسمو مكانتها وجلال قدرها، إذ لم يكن صلوات الله عليه - وهو في أعلى أفق من العلم والحكمة والبلاغة - ليصدر عن جهل، أو ينطق عن هوى.
وإذا كان هذا الكتاب سيغير - ولا ريب - من آراء كثير من المسلمين فيما ورثوه من عقائد، وما درسوه من أحكام، فإنه سيقفهم إن شاء الله على حقائق كثيرة تزيدهم تبصرة وعلما بدينهم، ويحل لهم مشاكل متعددة مما تضيق به صدورهم، ويدفع شبهات مما يتكئ عليها المخالفون، والصادون عن دينهم، وبذلك يستقيم